على رأسي ثلاث حثيات فإذن أنّي قد طهرت » (١) ، وضعف الجميع واضح.
أمّا الأخير : فلأنّ عموم الآية لا تعرّض فيه لما بعد النجاسة ، بل أقصى ما فيها الدلالة على حكم الماء بحسب الخلقة الأصليّة وهو لا ينافي طروّ النجاسة فضلا عن استمرارها بعد الطروّ.
وأمّا البواقي : فلأنّها قضايا مهملة سيقت لإعطاء أصل حكم التطهير ، من غير نظر فيها إلى تشخيص موضوعه عموما ولا خصوصا.
وأمّا الأوّل : فلمنافاته مخالفة المعظم فلا اعتداد بنقله بعد الاسترابة في منقوله.
وأمّا الأوسط : فمع ما فيه من قدح السند ـ على ما يظهر وجهه ـ يرد عليه منع دلالته على ما يرامه المستدلّ كما هو واضح لمن له أدنى خبرة بمعاني الألفاظ ومقتضى تراكيب الكلام ؛ إذ أقصى ما فيها من الدلالة أنّ الماء ببلوغ الكرّيّة لا يتحمّل صفة الخبثيّة ، على معنى أنّه لا يحدث له تحمّل تلك الصفة ، لا أنّه بسببه يضع حمله من تلك الصفة على تقدير تحمّله لها قبل البلوغ ، وهذان معنيان متغايران ، والأوّل منهما يقتضي خلوّ الماء عنها قبل البلوغ ؛ ومحلّ البحث مندرج في الثاني فلا يندرج في الرواية ، فيكون مفادها مطابقا لمفاد « إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء ».
ولا ينافيه ما عرفت نقله عن القاموس والنهاية ، لأنّ عدم ظهور الخبث معناه عدم بروزه في ظرف الخارج لا زوال الخبث البارز في الخارج عنه.
وللمحقّق ـ على ما نقل عنه في المعتبر ـ كلام طويل في دفع هذه الأدلّة ولا سيّما الرواية ، حيث إنّه بعد ما نقل الأدلّة قال : « فالجواب : دفع الخبر فإنّا لم نروه مسندا ، والّذي
__________________
(١) هذا الحديث رواه الشوكاني في نيل الأوطار عن أحمد ١ : ٢١٥ هكذا : « أمّا أنا فاحثي على رأسي ثلاث حثيات ثمّ أفيض فإذا أنا قد طهرت » ، ثمّ قال : وقال الحافظ : قوله : « فإذا أنا قد طهرت » لا أصل له من حديث صحيح ولا ضعيف. ولكنّه وقع من حديث أمّ سلمة ، قال لها : « إنّما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثمّ تفيضين الماء عليك فإذا أنت قد طهرت » وأصله في صحيح مسلم ». انتهى ما في نيل الأوطار : وروى البخاري في صحيحه : ح ١ (باب من أفاض على رأسه ثلاثا) قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم « أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثا » وأشار بيديه كلتيهما ، وهكذا رواه مسلم في صحيحه ١ : ١٣٦ ؛ والنسائي في سننه ١ : ٤٩ ، وابن ماجة في سننه ١ : ٢٠٣ ؛ وأبو داود في سننه ١ : ٦٢ ؛ وابن حجر في مجمع الزوائد ١ : ٢٧١ ؛ ورواه أيضا ابن ماجه في سننه ١ : ٢٠٣ هكذا : « أمّا أنا فأحثو على رأسي ثلاثا ».