على حدّ الضرورة ، بل لأنّ زوال المعلول مع بقاء العلّة غير معقول ، وقد ثبت عن الأدلّة أنّ التغيّر حدوثا وبقاء علّة للنجاسة ومعه كيف يمكن اعتبار العموم أو الإطلاق في المقدّرات المطلقة ، وقضيّة ذلك اختصاص اعتبارها بغير حالة التغيّر.
فإن قلت : غاية ما يلزم من ذلك تقييد المطلقات بما إذا لم يكن المقدّر أقلّ من مزيل التغيّر ، فالمتّجه حينئذ اعتبار أكثر الأمرين من المقدّر ومزيل التغيّر عملا بنوعي أخبار الباب.
قلت : أخبار المقدّرات بناء على إطلاقها قابلة لأن يتصرّف فيها بأحد الوجهين ، تخصيصها بغير حالة التغيّر مطلقا ، أو تقييدها بما إذا لم يكن المقدّر أقلّ من مزيل التغيّر ، غير أنّ هذا التصرّف الثاني ممّا يأباه كثير من المقدّرات الواردة لعدم كونها صالحة لإزالة التغيّر بالذات لمكان كونها أقلّ من مزيله كالثلاث والخمس والسبع والعشرة والعشرين غالبا وما أشبه ، فلا بدّ في مثله من تطرّق أوّل التصرّفين ، وقضيّة ذلك كون التطرّق إلى البواقي هو هذا التصرّف لمكان ورود أخبار الباب بأجمعها في متفاهم العرف على نمط واحد ، واعتبار أحد التصرّفين في جملة والتصرّف الآخر في جملة اخرى كما ترى بعيد عن العرف والوجدان ، ويزيد ذلك البعد في جملة مشتملة على مقدّرين في نوعين من النجاسات أحدهما لا يصلح مزيلا للتغيّر والآخر صالح له في الجملة ، ومن هذه الجملة رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إن سقط في البئر دابّة صغيرة ، أو نزل فيها جنب ، نزح منها سبع دلاء ، وإن مات فيها ثور أو صبّ فيها خمر نزح الماء كلّه » (١).
ورواية عمرو بن سعيد قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عمّا يقع في البئر ما بين الفأرة والسنّور إلى الشاة؟ فقال : « كلّ ذلك يقول سبع دلاء ، حتّى بلغت الحمار والجمل ، قال : كرّ من ماء » (٢) ، ونظير ذلك كثير فيما بين روايات الباب.
ولا ريب أنّ الالتزام بالتخصيص صدرا والتقييد ذيلا في أمثال ذلك في غاية الغرابة ، بل المتعيّن في متفاهم العرف اعتبار التخصيص مطلقا لعدم جريان التقييد فيهما معا.
وممّا يؤيّد عدم تناول أخبار المقدّرات لحالة التغيّر كون التقدير الوارد فيها بأعداد
__________________
(١ و ٢) الوسائل ١ : ١٧٩ و ١٨٠ ب ١٥ من أبواب الماء المطلق ح ١ و ٥ ـ التهذيب ١ : ٢٤١ و ٢٣٥ / ٦٩٥ و ٦٧٩ ـ الاستبصار ١ : ٣٤ / ٩٣ و ٩١.