صفة الماء علّة تامّة ، وقد يكون جزء للعلّة ، بحيث لو لا انضمام مغيّر خارجي إليه من عمل شمس أو حرارة هواء أو تصرّف غيرها ممّا يتكوّن في الماء من الديدان ونحوها لا يكون صالحا للتأثير ، بل يكون التأثير قائما بالمجموع منها على الشركة من دون كفاية كلّ بانفراده في التأثير ، ففي كونه كافيا في توجّه الحكم بنجاسة الماء مطلقا ، أو عدمه كذلك ، أو إناطة الأمر بما يساعد عليه نظر العرف في صدق عنوان « التغيير » على وجه يسند إلى النجاسة (١) أو وصفها وعدمه وجوه.
من أنّ الحكم المخرج في الشرع على خلاف الأصل يجب فيه الاقتصار على القدر المتيقّن.
ومن أنّ إسناد التغيير إلى النجاسة أو وصفها الوارد في روايات الباب ليس على حقيقته ، بل هو وارد من باب التسبيب ، وظاهر أنّ هذا الإسناد كما أنّه يصدق عرفا فيما لو اعتبر إلى السبب التامّ كذلك يصدق فيما لو اعتبر إلى جزء السبب كما يفصح عنه قولهم : « أنبت الربيع البقل » ، المتّفق على كونه من باب المجاز في الإسناد بالقياس إلى السبب ، والربيع ليس إلّا أحد أجزاء العلّة ، فيكون ما ورد في الروايات شاملا لما يتحقّق مع النجاسة في صورة ما لو كانت سببا تامّا ، وما يتحقّق معها في صورة ما لو كانت جزء للسبب.
ومن أنّ اللفظ الوارد في خطاب الشرع ينزّل على ما يساعد عليه العرف ، فإن صحّ عرفا في صورة جزئيّة النجاسة القول بأنّ هذا ما غيّرته النجاسة يتبعه الحكم بالنجاسة وإلّا فلا.
ولكنّ الإنصاف أن يقال : إنّ الحكم في وجوده وعدمه يتبع العنوان الوارد في الأخبار ، المعلّق عليه ذلك الحكم ، وأنت بملاحظة الأخبار المتقدّمة تعرف أنّ ما أخذ فيها عنوانا لذلك الحكم شيئان ، هما عند التحقيق متلازمان وجودا وعدما.
أحدهما : غلبة وصف النجاسة على وصف الماء ، من ريح أو لون أو طعم.
وثانيهما : تغيير النجاسة أو وصفها المذكور لوصف الماء.
__________________
(١) بأن يقال عرفا أنّ الماء قد غيّرته النجاسة ، ولو مع العلم بكونها جزءا للعلّة ، وأنّ لها في إيراث التغيّر في الماء شريكا. (منه).