لأوّل الوقوع وإلّا فيتّحدا في الوجود الخارجي ، ومن البيّن أنّ المقدّمة من لوازم ذيها ، فإذا كانت منهيّا عنها لكونها علّة للإفساد المنهيّ خرجت عن كونها مقدورة من جهة الشرع ، لأنّ المنع الشرعي كالمنع العقلي ، ومن المحقّق عند العقل أنّ الواجب المطلق بالقياس إلى القدرة على مقدّماته الوجوديّة مشروط كالقدرة على نفسه ، فهو فاقد للأمر عند انتفاء القدرة عنه أو عن إحدى مقدّماته ، ومعه لا يعقل فيه الصحّة المقصودة في العبادات.
لكن هذا إنّما يتمّ في المقدّمة المنحصرة كما في مورد الرواية ، وأمّا في غيرها كما لو تمكّن عن الغسل بطريق آخر غير الوقوع في البئر فلا يلزم من عدم مقدوريّة إحدى مقدّماته انتفاء الأمر عنه رأسا ، وقضيّة ذلك وقوعه صحيحا وبوصف كونه مأمورا به ، وإن كانت مقدّمته قد حصلت بوصف كونها منهيّا عنها ، غاية ما هنا لك عدم تعلّق الوجوب المقدّمي ـ على القول به كما هو الحقّ ـ بتلك المقدّمة ، ومن البيّن أنّ عدم وجوب فرد من المقدّمة لمانع لا يقضي بعدم وجوب ذيها.
ثمّ كلّ ذلك إنّما يتوجّه إذا كان الإفساد بهذا المعنى ممّا تعلّق به النهي ، كما لو تحقّق الوقوع والغسل في حقّ الغير الّذي يعلم من حاله أنّ هذا الّذي يترتّب عليهما إفساد في نظره ، وإلّا فأصل الوقوع والإفساد ليسا بمنهيّ عنهما فلا مانع حينئذ من الصحّة.
وبذلك يعلم أنّ البئر في مورد الرواية كانت ملكا للغير أو ممّا تعلّق به ملك الغير أيضا ، ككونها من مشتركات المسلمين كافّة ولو بعنوان الوقف دون الملك المطلق ، أو من مشتركات قوم منهم من غير فرق بين حمل « الإفساد » على إرادة سلب الطهوريّة أو غيره ممّا أشرنا إليه ، وإن كان يجب الحمل على الثاني بقرينة خارجيّة غير ما تقدّم الإشارة إليه ، وهي : أنّه لو لا ذلك لزم من وجود الشيء عدمه ، وأنّه محال.
وبيان الملازمة : أنّ كون ماء البئر مستعملا في رفع الحدث وصف لا ينعقد في الخارج إلّا إذا وقع الغسل صحيحا ، وصحّة الغسل مع فرض كونه علّة للإفساد بهذا المعنى المنهيّ عنه غير معقولة كما تقدّم ، فإذا لم يقع على وصف الصحّة لم ينعقد الوصف المذكور في الخارج ؛ وقضيّة استحالة ذلك خروج النهي لغوا يجب تنزيه كلام الحكيم عنه ، ولا يتأتّى ذلك إلّا بحمل « الإفساد » على غير المعنى المذكور ، وإذا اعتبر مع ذلك عدم كون البئر ممّا تعلّق به حقّ الغير خرج محلّ البحث عن مورد الرواية