الشهيد : « أنّها المعتادة » (١).
إذ ليس المراد بالعادة في تلك العبارات ما يوجب تقييد المفهوم العرفي حتّى يطالب بدليله ، بل الغلبة وكثرة التداول الموجبين لانصراف اللفظ إلى ما ليس بخارج عن حدّ الاعتدال لقلّة وجوده وعدم كونه ممّا اعتيد استعماله في الآبار وإن فرض استعماله في بعض الأحيان كما يشهد به مقابلة الشواذّ أو الكبار أو الصغار والكبار ، نظرا إلى ظهور أنّ المراد بهما ما هو الخارج في الصغر والكبر عن حدّ الاعتدال المتعارفي لا مطلق مسمّى الصغير والكبير ، اللذين من جهة أنّهما أمران إضافيّان لا واسطة بينهما بحيث لا يكون صغيرا ولا كبيرا ، بل كلّما فرض من دلو معتاد فهو صغير بالإضافة إلى دلو وكبير بالإضافة إلى آخر.
فما في المدارك من أنّه : « ينبغي أن يكون المرجع في الدلو إلى العرف العامّ ، ولا عبرة بما جرت العادة باستعماله في تلك البئر إذا كان مخالفا له » (٢) ، وقريب منه ما في شرح الدروس ـ كما عن المعالم (٣) أيضا ـ إن اريد به المعنى الّذي ذكرناه فمرحبا بالوفاق ، وإن اريد به ما يعمّ ذلك فوارد على خلاف التحقيق ، والظاهر أنّهم يريدون المعنى الأوّل وعليه لا يخالف كلامهم للعبارات المتقدّمة.
وأمّا ما يظهر من بعضهم من توهّم المخالفة فهو إمّا مبنيّ على فهم المعنى الثاني من كلامهم ، أو على ما قد يستظهر من العبارات المذكورة من إرادة ما هو المعتاد على تلك البئر ، بل هو محكيّ عن صريح المحقّق والشهيد الثانيين (٤).
ثمّ يقال : « بأنّ أظهر تلك العبارات فيه عبارة السرائر (٥) ، حيث احترز بـ « العادة » عن الشاذّة الّتي يستقى بها ، فإنّ المراد بها ـ بقرينة عطف الصغار والكبار عليها ـ ما شذّ إلّا الاستقاء بها وإن كانت متوسّطة في الصغر والكبر » (٦) انتهى.
والأوّل وإن كان محتملا لكنّ الثاني مقطوع بفساده ، بل العبارات ظاهرة فيما ذكرناه ، وأظهرها فيه عبارة المعتبر المذيّلة بقوله : « فيجب أن يتقيّد بالعرف » ، بل هو
__________________
(١) البيان : ١٠٠ ، الدروس الشرعيّة ١ : ١٢١ ، اللمعة الدمشقيّة ١ : ٣٧.
(٢) مدارك الأحكام ١ : ٩٦.
(٣) فقه المعالم ١ : ٢٨٦.
(٤) جامع المقاصد ١ : ١٤٦ ، روض الجنان : ١٤٨.
(٥) السرائر ١ : ٨٣.
(٦) كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري رحمهالله ـ ١ : ٢٤٦.