بلغ ؛ ولعلّ الشارع الحكيم من جهة علمه بأنّ أثر هذه النجاسة لا يزول إلّا بتحقّق هذا العدد في الخارج واعتبره على قياس ما هو الحال في التطهير عن النجاسات الحاصلة في الثوب ونحوه المعتبر في غسلها التعدّد مرّتين أو ثلاث أو سبع مرّات ، وكما أنّ ذلك لا يطهّر بغسله مرّة بمدّ أو أكثر من الماء الّذي لو فرض غسله به مع اعتبار العدد كان كافيا في طهره فكذلك المقام ، لا نقول بأنّه مثله حتّى يكون راجعا إلى القياس ، بل المراد أنّ كونه كذلك محتمل فينعقد معه موضوع الاستصحاب وهذا أصل لا رافع له هنا.
نعم ، ربّما يقوى هذا التوهّم على القول بوجوب النزح تعبّدا ، نظرا إلى أنّ وجوبه حينئذ توصّلي ومن حكمه أن يحصل في الخارج بأيّ نحو اتّفق ، ولذا لا يعتبر فيه نيّة القربة كما يأتي إليه الإشارة.
ولكن يدفعه : أنّ المأخوذ في مفهوم الواجب التوصّلي حصول المأمور به في الخارج كيفما اتّفق إذا اتي به على نحو ما امر به ، والمفروض خلافه ، إذ الأمر قد تعلّق بالعدد والمقدار الغير العددي ليس منه ، كيف ولو صحّ ذلك لكان الواجب على الشارع التعرّض لتعيين المقدار ، وكان عليه التفصيل في الدلاء باعتبار ما يكون منها كافيا عدده المعيّن في خروج المقدار المعيّن.
ومن هنا قد يؤيّد القول بعدم الإجزاء بأنّهم عليهمالسلام أمروا بنزح العدد من غير تفصيل بين الدلو الصغير والكبير مع أنّ الغالب التفاوت بين الدلاء بكثير.
وأمّا ما قد يؤيّد به القول بالإجزاء من أمنه من انصباب الماء النجس عن الدلو في البئر إلّا نادرا ، فليس بشيء بعد ثبوت العفو عن ذلك قليله وكثير [ه] ، ومجرّد احتمال كون الأمر بالعدد واردا مورد الغالب لا يوجب اليقين بالبراءة الّذي يستدعيه اليقين بالاشتغال ، ولذا احتجّ المانعون عن الاجتزاء بأنّ الحكمة قد تعلّقت بالعدد ولا يعلم حصولها بغيره ، واحتجّوا أيضا بعدم الإتيان بالمأمور على وجهه.
وثانيهما : أنّ الأمر بالنزح وارد على الماء ، والدلاء مقدار ، فيكون القدر هو المراد ، وتقييده بالعدد لانضباطه وظهوره بخلاف غيره.
وجوابه : يظهر بملاحظة ما ذكرناه جوابا عن الأوّل ، ومحصّله : يرجع إلى منع المقدّمة الثالثة والرابعة معا ، فإنّ كلّا من ذلك أوّل المسألة وعين المدّعى ، فلا بدّ له من دليل آخر.