فإنّ عدم فوقيّة البئر المراد من تلك الفقرة أعمّ من فوقيّة البالوعة ومساواتها ، فعلم من الرواية حينئذ حكم التساوي أيضا.
وأنت خبير بعدم الحاجة إلى ارتكاب هذا التكلّف وعدم ورود المناقشة المذكورة ، فإنّها إنّما تتوجّه إذا انحصر مستند المشهور في الرواية الاولى ، وقد عرفت أنّه المجموع منها ومن الرواية الثانية بعد اعتبار الجمع بينهما وتقييد مطلق كلّ بمقيّد الاخرى ، ولا ريب أنّ حكم التساوي وإن كان مسكوتا عنه بالقياس إلى الرواية الاولى ، غير أنّه منطوق به في الرواية الثانية بحكم الإطلاق من حيث الوضع ، الشامل لصور ثلاث ، منها صورة التساوي ، والمفروض أنّه لم يخرج من هذا الإطلاق بعد اعتبار التقييد بالقياس إليه إلّا صورة فوقيّة البئر ، فتبقي الصورتان الأخيرتان مندرجتين في حكم السبع.
ومن هنا يعلم عدم خروج صورة التساوي المحكوم عليها بالخمس مع صلابة الأرض ، لأنّها مندرجة في الفقرة الثانية من الرواية الثانية أخذا بموجب الإطلاق الّذي لم يطرأه التقييد أصلا.
وقد يقال : « بأنّ المستفاد من مجموع الروايتين أنّ السبعة لها سببان : وهما السهولة وفوقيّة البالوعة ، والخمسة أيضا لها سببان : الجبليّة وأسفليّة البالوعة ، ويحصل التعارض عند تعارض السببين ، كما إذا كانت الأرض سهلة والبالوعة أسفل ، فلا بدّ من مرجّح خارجي ، وكذا إذا كانت الأرض جبليّة والبالوعة فوق البئر ، ولعلّه بالنسبة إلينا يكفي الشهرة في الترجيح ، فيحكّم كلّ منهما على الآخر بمعونتها ، وبالنسبة إليهم لا نعلم المرجّح ولعلّه دليل خارجي » انتهى.
وهذا الكلام نقله بعض مشايخنا (١) عن بعض مشايخه المعاصرين (٢) أنّه ذكره بعد ما زيّف جمع المشهور بعدم جريانه على القواعد ، ومبناه على العمل بالروايتين معا من دون تصرّف فيهما ، وهو كما ترى غير معقول مع فرض التعارض ، فكيف يستفاد السببيّة لكلّ من الامور الأربع حتّى يفرض صورة التعارض بين السببين.
ثمّ على فرض هذا التعارض فكيف يصحّ الشهرة مرجّحة فيه ، وهي على فرض صلوحها للمرجّحيّة إنّما يرجع إليها في تعارض الدليلين ، والكلام المذكور مبنيّ على
__________________
(١) كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري رحمهالله ـ ١ : ٢٦٨.
(٢) جواهر الكلام ١ : ٥٢٤.