لا يتمّ العددان المذكوران حسبما ضبطوهما ، ولذا اعترض عليهم المحقّق المشار إليه عقيب الكلام المذكور بكثير قائلا : « وفي كلام جمع من الأصحاب هاهنا تأمّل ظاهر ، إذ ذكروا أنّ التباعد بسبع في سبع ، وبخمس في الباقي ، والاعتبار يقتضي أن يكون التباعد بسبع في ثمان أو ستّ ، لأنّ فوقيّة القرار إمّا أن تعارض فوقيّة الجهة وتصير بمنزلة التساوي أو لا ، فعلى الأوّل الأوّل ، وعلى الثاني الثاني ، وأمّا اعتبار الجهة في البئر دون البالوعة فتحكّم » (١)
وهذا الاعتراض كما ترى متّجه.
ووجهه واضح بالتأمّل ، وإن كان صاحب الحدائق تصدّى لدفعه قائلا : « بأنّ ما نقله [عنهم] من جعلهم صورة التعارض بمنزلة التساوي ممّا لم أقف عليه فيما حضرني من كلامهم ، بل صرّح غير واحد منهم أنّ الفوقيّة بالجهة إنّما تعتبر في الرخاوة مع تساوى القرارين ومقتضى ذلك اختصاص اعتبارها بالبئر دون البالوعة ، ولهذا صرّح في الروض (٢) ـ في صورة كون البئر في جهة الجنوب مع رخاوة الأرض وعلوّ قرار البئر ـ بأنّه : « يستحبّ التباعد بخمس أذرع نظرا إلى علوّ قرار البئر » ، وبمقتضى ما ذكره من تعارض الفوقيّتين مطلقا ينبغي أن يكون بسبع » (٣) انتهى.
وهذا الكلام عند التحقيق غير صالح لدفع الاعتراض ، كيف والتحكّم المذكور في كلام المعترض باق على حاله ، والاستشهاد بكلام الروض لا يجدي نفعا ، إذ الاعتراض على هذا الكلام ونظائره ، ووجه التحكّم : أنّ علوّ الجهة إمّا أن يصلح مؤثّرا في اقتضاء خلاف ما يلزم مع انتفائه أو لا ، فعلى الأوّل ينبغي أن يلاحظ في كلّ من البئر والبالوعة ويرتّب عليه أثره ، وعلى الثاني ينبغي أن لا يلاحظ في شيء منهما ، والفرق بينهما في الاعتبار والعدم ليس إلّا تحكّما بحتا ، كما أنّ ما عساه أن يدّعي من أنّه صالح للتأثير في البئر دون البالوعة ليس إلّا مكابرة محضة ، بل ليس إلّا من الخرافات ، فالاعتراض بظاهر الحال في محلّه.
ثمّ إنّ في تحديد البعد بين البئر والبالوعة روايات اخر لم يعمل بها الأصحاب ، مثل ما حكاه في الحدائق (٤) عن الحميري في قرب الأسناد عن محمّد بن خالد الطيالسي
__________________
(١) مشارق الشموس : ٢٤٧.
(٢) روض الجنان : ١٥٧.
(٣) الحدائق الناضرة ١ : ٣٨٥.
(٤) الحدائق الناضرة ١ : ٣٩٠.