وثانيا : أنّ اعتبار الامتزاج الثاني على فرض تحقّقه يشبه بكونه خلاف الإجماع ، لتطابق عباراتهم بعد البناء على اشتراط الامتزاج في التطهير على كفاية الامتزاج الأوّل الموجب للإطلاق.
وإن اريد به خلاف ظاهر العبارة ، وهو الاكتفاء بالامتزاج الأوّل كما هو مقتضى كلام الأصحاب.
ففيه : أنّ دعوى الطهر بذلك لا تتمّ إلّا بعد إحراز المقدّمة المذكورة في الوجه الأوّل المجمع عليها ، ومعه يرجع الكلام أيضا إلى الوجه الأوّل ، فلم يتحقّق هنا دليل خر كما لا يخفى.
ودعوى : كون ذلك تطهيرا للماء بعينه ، فيكون مشمولا لدليله من حيث إنّه دليله ، ممّا يكذّبه الوجدان ، بل هو تطهير من باب تطهير المطلق لجريان دليله فيه ، لا تطهير المطلق بعينه ، والفرق بين المعنيين واضح للمتأمّل ، وكيف كان فلا خلاف عندهم في كون ما ذكر مطهّرا للمضاف المتنجّس ، لكنّهم اختلفوا في جهات اخر.
إحداها : اعتبار الزيادة على الكرّ في مطهّر المضاف وعدمه ، والقائل بالاعتبار الشيخ في المبسوط على ما هو ظاهر عبارته المحكيّة : « ولا طريق إلى تطهيرها بحال إلّا أن يختلط بما زاد على الكرّ من المياه الطاهرة المطلقة » (١) كما في كلام شارح الدروس (٢).
أو « والمضاف إذا وقعت فيه نجاسة نجس قليلا كان أو كثيرا على ما قدّمناه ولا يطهر إلّا بأن يختلط بما زاد على الكثير (٣) من المطلق » على ما في مختلف العلّامة (٤).
أو « أنّه ـ يعني المضاف ـ لا يطهّر إلّا بأن يختلط بما زاد عن الكرّ الطاهر المطلق » على ما في كلام بعض مشايخنا العظام (٥).
وكيف كان فظاهر هذه العبارات المحكيّة عن الشيخ اشتراط الزيادة على الكرّ ، واتّفق الآخرون على خلافه ، وإن احتمل موافقة المعتبر (٦) له حيث إنّه تصدّى لنقل قوله ولم يتعرّض لردّه.
__________________
(١) المبسوط ١ : ٥.
(٢) مشارق الشموس : ٢٥٧.
(٣) وفي مختلف الشيعة : « الكرّ » بدل « الكثير ».
(٤) مختلف الشيعة ١ : ٢٤٠.
(٥) كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري رحمهالله ـ ١ : ٣٠٥.
(٦) المعتبر : ٢١.