وممّن صرّح بمخالفته العلّامة في المختلف ، حيث إنّه بعد ما نقل كلامه المشتمل على فقرة اخرى تأتي بيانها قال : « والحقّ عندي خلاف ما قاله الشيخ رحمهالله في موضعين ، أحدهما : أنّا لا نشترط امتزاجه بما زاد على الكرّ ، بل لو مزج بالكرّ وبقي الإطلاق جاز استعماله » انتهى.
وربّما يحمل كلام الشيخ إلى كونه واردا على جهة التساهل لا على جهة الاشتراط.
أقول : ويمكن تنزيل عبارته إلى إرادة ما يراد بقولهم : « يطهّر بإلقاء كرّ فما زاد » كما سبق نظيره في عبارة المنتهى ، وعلى تقدير كون المراد ظاهر العبارة على وجه ينشأ منه الخلاف في المسألة فلا وجه له يعتدّ به ، إلّا ما قيل : من أنّ قدر الكرّ لا ينفكّ غالبا عن تغيّر أحد أوصاف جزء ما منه ، ومعه ينتقض عن الكرّيّة فينجّس البتّة ، فلا بدّ من الزيادة عليه.
وفيه أوّلا : النقض بكثير من أفراد الزائد على الكرّ أيضا كما لا يخفى ، إلّا أن يكون المراد بالزيادة زيادة ما يبقى بعد تغيّره من كرّ غير متغيّر.
وثانيا : كونه في الحقيقة اجتهادا في مقابلة النصّ ، لأنّ اعتبار الزيادة بالوجه المذكور هنا يستدعي اعتبارها في مسألة عدم انفعال الكثير بملاقاة النجاسات الّتي منها البول المغيّر والدم والعذرة ، إذ الفرق بين المسألتين تحكّم بحت ، والالتزام بالاعتبار فيهما تقييد للأدلّة القاضية بعدم الانفعال.
إلّا أن يقال : بأنّ التزام التقييد ممّا لا محيص عنه ، عملا بموجب ما دلّ بعمومه على نجاسة الماء بالتغيّر قليلا كثيرا أو جزء كثير ، بناء على ما قدّمنا تحقيقه من الإجماع على تحكيم أدلّة التغيّر على أدلّة الكثير ، وإن كان بينهما عموم من وجه.
وعليه نحن نفرّق بين المسألتين باعتبار الزيادة بالقدر المذكور ثمّة دون المقام ، والفارق ما قدّمنا في بحث التغيّر من أنّه إنّما يوجب التنجّس إذا حصل من عين النجاسة دون المتنجّس منها ، والتغيّر المفروض في المقام مستند إلى المضاف وهو ليس بعين النجس.
ثمّ يرد على الشيخ ـ مع هذا ـ : أنّ هذا الشرط على فرض اعتباره ليس أمرا وراء ما يعتبره في مطهّر المضاف من بقائه على إطلاقه وعدم تغيّر أوصافه من الطعم واللون والرائحة على ما سيجيء من الخلاف فيه ، بناء على ما اشتهر في كلامهم من أنّ الشيخ يعتبر هنا امورا ثلاث : الزيادة على الكرّيّة ، وبقاء الإطلاق ، وعدم التغيّر ، إلّا أن يحكم