المتساوي نسبتها من جهة الاشتباه إليهما معا ، وهذا وإن كان ممّا يقتضي جواز الاستعمال ، غير أنّه يعارض اليقين الفعلي بالنجاسة المردّدة المتساوي نسبتها إلى كلّ واحد ، المقتضي لمنع الاستعمال.
وقوله : « ولا رجحان » أي لا مزيّة لأحد اليقينين لتوجب الأخذ به في حدّ ذاته ، لعدم تعيّن مورده ، فلا بدّ من مراجعة الخارج ، ومقتضاه المنع عن الجميع ، إمّا لحكم العقل بوجوب الإطاعة الّتي لا يحصل العلم بها إلّا بذلك ، أو لبناء العرف على تقديم أدلّة المنع على أدلّة الجواز وفهمه حكومة الاولى على الثانية.
وبالجملة مرجع هذه الحجّة ـ بناء على الظاهر ـ إلى ما قرّرناه وحقّقناه ، وعليه يضعّف ما ذكر في الإيراد عليه ، ولا سيّما الوجه الثاني ، فإنّ كلّا من أصلي البراءة والطهارة ممّا يصار إليه في غير موضع العلم بالخلاف ، وكأنّ مبنى الوجه الأوّل على توهّم إرادة اليقين السابق من يقين الطهارة ، فيقال في دفعه : إنّه لا مقابل له في كلّ واحد منفردا إلّا احتمال النجاسة ، وهو لا يصلح معارضا لليقين بالطهارة السابق على طروّ الاشتباه ، بل هو ممّا يحقّق الاستصحاب ومحلّه ، أو يوجب مراجعة أصل الطهارة الجاري في كلّ مشكوك في نجاسته.
وأنت خبير بما فيه من أنّه لا يجري في أكثر الصور المتقدّمة ، ولا سيّما صورة تأخّر الشبهة عن اليقين بنجاستهما معا عند إصابة المزيل لأحدهما المشتبه ، فينعكس فرض الاستصحاب حينئذ ، مع أنّ اليقين بالنجاسة ولو كانت مردّدة المفروض وجوده في المقام صالح لنقض اليقين السابق بالطهارة ، ضرورة أنّه يقين نقضناه بيقين مثله ، مع أنّ مقتضى القاعدة المتقدّمة المأخوذة من حكم العقل عدم الفرق بين الصور المشار إليها ، الّتي منها ما لو كان المشتبهان مسبوقين بالطهارة كما في مورد الرواية ، أو بالنجاسة ، أو غير معلوم الحالة السابقة.
ولعلّه لأجل ما أشرنا إليه من توهّم جريان الاستصحاب أو أصل الطهارة قد يقال : « ويحتمل ضعيفا الفرق بين الصور بالحكم بجواز ارتكاب أحدهما في الاولى دون الأخيرتين ، أو في الاولى والأخيرة دون الثانية » (١) ، بل ومقتضى القاعدة جريان الحكم في الشيئين
__________________
(١) كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري رحمهالله ـ ١ : ٢٧٨.