بماء طاهر على محلّ طاهر ، فيعلم أنّ إحدى الصلاتين تقع جامعة لشرطي الطهارة الحدثيّة والخبثيّة معا ، وإن كان لا يعلم به عند إيجاد كلّ بعينه ، فهو من أوّل الأمر قاصد لإيجادهما بداعي إدراك المأمور به الواقعي وهو الصلاة الجامعة للشرطين ، كما في الصلاة إلى الجهات الأربع عند اشتباه القبلة بشرط أن لا يقصد عند إيجاد كلّ كونه بعينه المأمور به الواقعي ، ولا كونه بعينه مقدّمة علميّة ، بل يأتي بكلّ على أنّه بعض من العدد المندرج فيه المأمور به الواقعي ، فالاشتباه لا ينافي قصد التقرّب والنيّة الّتي هي الداعي في الحقيقة ، وانضمام التيمّم حينئذ إلى الوضوءين إنّما هو للخروج عن شبهة الحرمة الذاتيّة في التطهّر بالماء النجس الموجبة لسقوط الأمر بالمائيّة ، لعدم إمكانها بعد فرض وجوب الاجتناب عن الجميع مقدّمة علميّة للاجتناب الواجب ، الثابت وجوبه بالقياس إلى ما هو نجس في الواقع ، كما هو الحال بالقياس إلى مقام الاستعمال في الأكل والشرب ، فيكون الوجه في وجوب الجمع حينئذ هو الاحتياط الّذي هو واجب في نظائر المقام.
لكن يشكل ذلك : بأنّ الالتزام بذلك الاحتياط رعاية لتحصيل الطهارة الحدثيّة على وجه اليقين ترك للاحتياط بالقياس إلى رعاية الطهارة الخبثيّة ، لما عرفت من أنّ الغسل المتخلّل بين الوضوءين مورث لطروّ النجاسة اليقينيّة ، ومحرز لموضوع استصحاب تلك النجاسة المتيقّنة إلى أن يقارن الوضوء والصلاة الثانيين للنجاسة المستصحبة في العضو ، ومعه لا يعقل كونهما بعضا من العدد المندرج فيه المأمور به الواقعي.
فالأقوى إذن الاكتفاء بصلاة واحدة مع الوضوء بإحدى الماءين مع انضمام التيمّم إليه ، هذا كلّه على حسب القواعد مع قطع النظر عن النصّ ، ولعلّه عليه يبتني كلام الأصحاب في الاستدلال على المنع من الاستعمال رأسا بالوجوه المتقدّمة وإلّا فالنصّ المتقدّم ذكره في الإناءين صريح في المنع من الاستعمال مطلقا والأمر بالتيمّم ، فالأخذ بمقتضى النصّ يستدعي تعيّن التيمّم ، وكون التكليف في الصلاة معه فقط.
إلّا أن يقال : بأنّه حكم ثبت في محلّ خاصّ ولا عموم في النصّ ليشمل ساير أفراد الشبهة الحاصلة في الماءين.
وأمّا ما في كلام بعض مشايخنا (١) من احتمال تنزيله على صورة عدم التمكّن من
__________________
(١) كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري رحمهالله ١ : ٢٨٧.