على وجه يكون الإطلاق معه باقيا ، فكونها مع فقد الوصف ملزومة للتنجّس على ما هو النتيجة المقصودة أوّل الكلام ، إلّا إذا ثبت أنّها هو السبب التامّ ، وتغيّر الوصف حيثما يوجد إنّما اعتبر كاشفا والكاشف قد يقوم مقامه غيره ، وهو في حيّز المنع كيف ولم يثبت إلّا خلافه كما تقدّم الإشارة إليه ، ونفصّله أيضا بعد ذلك.
وقد يجاب عنه ـ أيضا ـ على هذا التقدير : بأنّ المدار لو كان على الغلبة والمقهوريّة فكيف يصحّ تعليق الحكم على التغيّر الّذي هو وصف مفارق لها ، وجعلها دائرة مداره ، وأيضا ينبغي القول حينئذ بما إذا كشف عن الغلبة غير التغيّر من الكثرة ونحوها ، وأيضا لو كان المدار عليها لوجب القول بالتقدير في فاقد الصفات ، وفي الواجد الضعيف ، وقد نقل الإجماع على خلافه ، وبعض هذه الوجوه غير خال عن المكابرة.
ومنها : ما عن المحقّق الثاني في شرح القواعد من « أنّه يمكن الاحتجاج بأنّ المضاف المسلوب الأوصاف لو وقع في الماء وجب اعتباره إمّا بقلّة الأجزاء أو كثرتها ، أو تقديره مخالفا في الأوصاف على اختلاف القولين ، وإذا وجب الاعتبار في الجملة للمضاف فللنجاسة أولى ، ولأنّ عدم وجوب التقدير يفضي إلى جواز الاستعمال وإن زادت النجاسة على الماء أضعافا وهو كالمعلوم البطلان ، فوجب تقدير الأوصاف لأنّها مناط التنجّس وعدمه » (١).
وفيه : بعد تسليم الحكم في المقيس عليه منع الأولويّة في المقيس ، لوضوح الفرق بينهما بأنّ الحكم هنا معلّق على أمر واقعي يستلزم المحسوسيّة ، فإذا انتفت المحسوسيّة كشف عن انتفاء ذلك الأمر الواقعي المعلّق عليه الحكم ، لوضوح استلزام انتفاء اللازم انتفاء الملزوم فينتفي معه الحكم ، وثمّة معلّق على أمر واقعي لا يستلزم المحسوسيّة ، فإذا لم يكن مدركا بالحسّ لفقده أوصافه احتمل كونه متحقّقا في الواقع لاحتمال استهلاك الماء به ، واحتمل عدم تحقّقه لاحتمال استهلاكه بالماء ، فوجب تقدير أوصافه استعلاما لحقيقة الحال.
وأيضا المقصود بالتقدير هنا إحراز ما هو من مقولة المانع وهو التنجّس ، بعد الفراغ عن إحراز المقتضي وهو صدق « المائيّة » وبقاء الإطلاق ، وثمّة إحراز المقتضي باستعلام بقاء « المائيّة » وصدق الاسم ، ولا ريب أنّ المقتضي ممّا لا يحرز إلّا بطريق
__________________
(١) جامع المقاصد ١ : ١١٤.