من عدم تعرّض فيها إلّا لبيان الطهارة الذاتيّة ، ولا سيّما الصحيحة والحسنة ، لما فيهما من تعليل المنع عن سؤر الكلب بنجاسته الّتي هي بالقياس إليه ذاتيّة ، فيكون الرخصة في سؤر ما عداه من الأنواع المذكورة فيهما لطهارتها الذاتيّة ، فلا ينافيها المنع لنجاسة عرضيّة ، فلا تعرّض في تلك الأخبار لبيان الطهارة الفعليّة فضلا عن تعرّضها لبيان كيفيّة تلك الطهارة وبيان حال الحيوان بعد زوال عين النجاسة العرضيّة ، فالتمسّك بها في هذه المقامات ليس إلّا من الخرافات الناشئة عن سوء الفهم وقلّة التدبّر.
وأمّا جملة اخرى من أخبار الباب كما في موثّقة عمّار من قوله : وعن ماء يشرب منه باز ، أو صقر ، أو عقاب ، فقال : « كلّ شيء من الطير يتوضّأ ممّا يشرب منه ، إلّا أن ترى في منقاره دما ، فإن رأيت شيئا في منقاره فلا تتوضّأ منه ولا تشرب ».
وسأل عن ماء شربت منه الدجاجة ، قال : « إن كان في منقارها قذر لا تشرب ولا تتوضّأ منه ، وإن لم تعلم أنّ في منقارها قذرا توضّأ واشرب » (١) وإن كانت متعرّضة لبيان الطهارة الفعليّة بقرينة الاستثناء القاضي بالنجاسة الفعليّة ، غير أنّه لا يستفاد منها أيضا ما يتعلّق بالمقام من كفاية زوال عين النجاسة في الحكم على الحيوان بالطهارة وعدمها ، لما في المستثنى من الإجمال ، حيث لا يعلم أنّه حالة وجود عين النجاسة بخصوصها حتّى يفارق سائر أنواع الحيوان من الإنسان من جهته ، أو هي مع ما بعدها إلى أن يعلم بحصول المزيل الشرعي ، حتّى يشارك الحيوان الإنسان في أنّه لا يحكم عليه بالطهارة إلّا إذا لم يعلم بطروّ عين النجاسة ، أو علم معه بحصول المزيل ، فيكون النظر في تلك الأخبار على هذا الاحتمال ـ كالأخبار الواردة في طهارة ثياب المشركين وأوانيهم ـ إلى أصالة الطهارة.
فالقول : بأنّ الأخبار الواردة في أسآر ما يعلم بطهارته من الحيوانات كالحمام والدجاجة وغيرها لم يستثن فيها إلّا صورة وجود النجاسة على جسم الحيوان ، والمناسب على تقدير إناطة الحكم بأصالة الطهارة استثناء صورة العلم بتنجيس نفس الجسم ، بإطلاقه ليس على ما ينبغي ، لما عرفت من أنّ مقتضى الاحتمال الثاني الجاري في تلك الأخبار مساويا للاحتمال الأوّل هو إناطة الحكم في هذه الحيوانات أيضا بأصالة الطهارة.
__________________
(١) الوسائل ١ : ٢٣٠ ب ٤ من أبواب الأسآر ح ٢ و ٣ ـ التهذيب ١ : ٢٢٨ / ٦٦٠ ـ الكافي ٣ : ٩ / ٥.