منه ما يؤكل لحمه (١).
وموثّقة عمّار المتضمّنة لقوله عليهالسلام « كلّما يؤكل لحمه يتوضّأ من سؤره ويشرب » (٢).
ولعلّه لأجل هذه الأخبار صار بعض المتأخّرين ـ كما حكي ـ إلى عدم الكراهة ، بل هو صريح الحدائق حيث أنّه بعد ما ذكر هذه الأخبار عقيب ما ذكره من مستند القول بالكراهة قال : « والحقّ تقديم العمل بهذه الأخبار ، لاستفاضتها وصراحتها ، وصحّة أكثرها ، وضعف ما عارضتها سندا ودلالة » (٣).
هذا مع ملاحظة ما قيل : من ظهور كلمة « لا بأس » في نفي جميع أفراد البأس منها الكراهة ، لمكان كونها نكرة في سياق النفي ، لا أنّها تفيد نفي العذاب خاصّة ، ولعلّه إلى ذلك ينظر ما ادّعاه الحدائق من قوّة هذه الأخبار دلالة.
لكنّ الإنصاف عدم صلاحية ذلك لمعارضة ما تقدّم بعد مراعاة قاعدة المسامحة ثمّة ، ودعوى ظهور نفي البأس فيما ذكر غير مسموعة ، بل الإنصاف بملاحظة الانسباق العرفي أنّها في نظائر المقام ظاهرة في رفع توهّم النجاسة أو الحرمة ، فلا يراد منها ما ينافي الكراهة ، ولذا يقال : بظهورها في إرادة الإذن الغير المنافية لها ، والأمر بالتوضّؤ والشرب في الخبر الأخير لا يراد منه في نظائر المقام إلّا الإرشاد إلى انتفاء النجاسة أو غيرها من جهات المنع ، مع ظهور قوله : « ما يؤكل لحمه » فيه وفي سابقه فيما يكون أكل لحمه بعد الجواز الشرعي الغير المنافي للكراهة معتادا ومتعارفا بين الناس.
مع أنّه قد يقال : إنّ البقر بمفهومه يشمل الجاموس أيضا الّذي يكون لحمه مكروها ، فينبغي أن يراد بنفي البأس عن سؤره الوارد في الصحيحة ما لا ينافي الكراهة ، فتأمّل ، فإنّ ذلك لعلّه مبنيّ على الملازمة المدّعاة بين كراهة لحم الحيوان وكراهة سؤره ، وقد سمعت المناقشة فيه.
ومع الغضّ عن جميع ذلك فلعلّ الشهرة الموجودة في المقام بكلا قسميها كافية في إثبات هذا الحكم لقاعدة التسامح ، على أنّه لا مخالف في المسألة ظاهرا عدا ما عرفت
__________________
(١) الوسائل ١ : ٢٣١ ب ٥ من أبواب الأسآر ح ١.
(٢) الوسائل ١ : ٢٣٠ ب ٤ من أبواب الأسآر ح ٢ ـ التهذيب ١ : ٢٢٤ / ٦٤٢.
(٣) الحدائق الناضرة ١ : ٤٢٨.