سألت أبا عبد الله عليهالسلام عمّا يقع في الآبار ـ إلى أن قال ـ : « وكلّ شيء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب والخنافس وأشباه ذلك ، فلا بأس » (١).
ويشكل التعويل عليه : بأنّ البئر لا يقاس عليها غيره في الأحكام الثابتة لها ، خصوصا على مذهبه فيها وهو عدم انفعالها بالملاقاة وإن أوجب النزح تعبّدا.
حجّة القول بالنجاسة : موثّقة سماعة قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن جرّة وجد فيها خنفساء قد ماتت؟ ، قال : « ألقها وتوضّأ منه ، وإن كان عقربا فأرق الماء وتوضّأ من ماء غيره » (٢).
وموثّقة أبي بصير عن أبي جعفر عليهالسلام قال : سألته عن الخنفساء يقع في الماء أيتوضّأ منه؟ قال : « نعم لا بأس به » ، قلت : فالعقرب؟ قال : « أرقه » (٣).
والتقريب في ذلك ـ مع ظهوره في المباشرة عن حياة ـ ما تقدّم.
والجواب عن الكلّ : أنّ ما تقدّم في دليل الطهارة لاجتماعه جميع جهات الاعتبار والوثوق ينهض قرينة على [أنّ] الأمر فيهما مرادا به الاستحباب ، فمقتضاهما استحباب التنزّه عن هذا الماء ، وهو ليس بنكير ، مع ما فيهما من قوّة احتمال كون الجهة الداعية إلى ذلك وجود السمّية ، فلم يلزم من ذلك ثبوت النجاسة على ما هو المتنازع.
وبالجملة : العدول عن الطهارة إلى النجاسة مع ملاحظة ما ذكر ، لأجل ما ذكر ، خلاف الإنصاف.
وأمّا الكراهة : وإن استدلّ عليها في شرح الدروس (٤) بمرسلة الوشّاء ، ورواية ابن مسكان ، ومضمرة سماعة المتقدّمة ، لكن ليس شيء منها بشيء هنا.
أمّا الأولى : فلورودها فيما له لحم ، والعقرب ليست من ذوات اللحم.
أمّا الثانية : فلورودها في شرب الدابّة فلا يتعدّى منه إلى المباشرة ميّتا ، إذ ليس حكم الكراهة كحكم النجاسة ، بحيث إذا ثبت في حال الحياة ـ بتقريب ما ذكرنا ـ لكان ثابتا في حال الممات أيضا كما لا يخفى ، فلا يلزم من رجحان التنزّه عن سؤر العقرب رجحانه عن [ما] ماتت فيه ، هذا مع إمكان المناقشة في انصراف « الدابّة » إليها ، ويجري
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٤٦٤ ب ٣٥ من أبواب النجاسات ح ٣ ـ التهذيب ١ : ٢٣٠ / ٦٦٦.
(٢) الوسائل ٣ : ٤٦٤ ب ٣٥ من أبواب النجاسات ح ٤ ـ الكافي ٣ : ١٠ / ٦.
(٣) التهذيب ١ : ٢٣٠ / ٦٦٤.
(٤) مشارق الشموس : ٢٨٠.