الأمر الراسخ الذي يبتني عليه الفعل (١).
وللخُلْقِ إنشعابات كثيرةٌ تكاد لا تحصى الشُّعَبُ الحاصلة منها ، لكنّ اُصول الأخلاق الإنسانيّة نظراً إلى القُوى الباعثة للإنسان نحو الفعل ثلاثةٌ ، وهي : قُوى الشهوة الباعثة له إلى جذب الخير والنافع الذي يلائمه ، وقُوى الغضب الباعثة له إلى دفع الشرّ والضارّ ، والعقل الذي يهديه إلى الخير والسعادة ويزجره عن الشرّ والشقاء.
فالملكة العاملة في المشتهيات إن لازمَتْ الاعتدال بفعل ما ينبغي كما ينبغي سُمّيت : «عفّة» ، وإن انحرفت إلى حدّ الإفراط سُمّيت : «شَرَهاً» ، وإن نزلت إلى التفريط سمّيت : «خُموداً».
وكذلك الملكة المرتبطة بالغضب لها إعتدالٌ تسمّى : «شجاعة» ، وطرفا إفراط يسمّى : «تهوّراً» ، وتفريط يسمّى : «جُبْناً».
وكذلك الملكة الحاكمة في الخير والشرّ والنافع والضارّ إن لازمت وسط الاعتدال فاشتغلَتْ بما ينبغي كما ينبغي سمّيت «حكمةً» ، وإن خرجت إلى حدّ الإفراط سُمّيت : «جُرْبُزَةً» أو إلى حدّ التفريط سُمّيت : «غباوة».
والهيئة الحاصلة من اجتماع الملكات الثلاث ـ التي نِسْبَتُها إليها نسبةَ المزاج إلى الممتزَج وأثرُها إعطاءُ كلِّ ذي حقٍّ من القوى حقَّهُ ـ إذا اعتدلَتْ سُمّيت : «عدالةً» ، وإن خرجَتْ إلى حدّ الإفراط سُمّيت : «ظلماً» أو إلى حدّ التفريط سُمّيت : «إنظلاماً».
ووسط الاعتدال من هذه الملكات التي هي الاُصول وما يتفرّع عليها من الفروع «فضيلةْ ممدوحةْ» ، والطرفان ـ أعني طرفَي الإفراط والتفريط ـ «رذيلةٌ مذمومةٌ».
والبحث عن هذه الفضائل والرذائل موكولٌ إلى غير هذه الصناعة (٢).
وقد ظهر ممّا تقدّم :
أوّلا : أنّ الخُلْق إنمّا يوجد في العالم الإنسانيّ وغيره من ذوات الأنفس التي
__________________
(١) راجع المباحث المشرقيّة ج ١ ص ٣٨٥ ، والأسفار ج ٤ ص ١١٤ ـ ١١٥.
(٢) وهي صناعة الأخلاق.