وتارةً إلى المادّة وتارةً إلى غيرهما ، لكنّها بحسب النظر الدقيق راجعةٌ إلى الفاعل دائماً (١) ، فإنّ من يحسن إلى مسكين ليسرّ المسكين بذلك يتألّم من مشاهدة مايراه عليه من رثاثة الحال فهو يريد بإحسانه إزاحة الألم عن نفسه ، وكذلك من يسير إلى مكان ليستريح فيه يريد بالحقيقة إراحة نفسه من إدراك مايجده ببدنه من التعب.
وبالجملة ، الفعل دائماً مسانخ لفاعله ملائمٌ له مرضيٌّ عنده ، وكذا ما يترتّب عليه من الغاية فهو خيرٌ للفاعل كمالٌ له.
وأمّا ما قيل (٢) : «إنّ العالي لا يستكمل بالسافل ولا يريده ، لكونه علّةً ، والعلّة أقوى وجوداً وأعلى منزلةً من معلولها».
فمندفع ـ كما قيل (٣) ـ بأنّ الفاعل إنّما يريده بما أنّه أثر من آثاره ، فالإرادة بالحقيقة متعلّقة بنفس الفاعل بالذات وبغاية الفعل المترتّبة عليه بتبعه.
فالفاعل حينما يتصوّر الغاية الكماليّة يشاهد نفسه بما لها من الاقتضاء والسببيّة للغاية ، فالجائع الذي يريد الأكل ليشبع به ـ مثلا ـ يشاهد نفسَهُ بمالها من الإقتضاء لهذا الفعل المترتّب عليه الغاية ، أي يشاهد نفسَهُ ذاتَ شبع بحسب الاقتضاء ، فيريد أن يصير كذلك بحسب الوجود الفعليّ الخارجيّ.
فإن كان للفاعل نوعُ تعلّق بالمادّة كان مستكملا بفعليّة الغاية التي هي ذاته بما أنّه فاعل.
وأمّا الغاية الخارجة من ذاته المترتّبة وجوداً على الفعل فهو مستكمل بها بالتبع.
وإن كان مجرّداً عن المادّة ذاتاً وفعلا فهو كامل في نفسه غيرُ مستكمل بغايته التي هي ذاته التامّة الفعليّة التي هي في الحقيقة ذاته التامّة.
فظهر ممّا تقدّم :
أولا : أنّ غاية الفاعل في فعله إنّما هي ذاته الفاعلة بما أنّها فاعلة ، وأمّا غاية
__________________
(١) كذا قال صدر المتألّهين في الأسفار ج ٢ ص ٢٧٠ ـ ٢٧٩.
(٢) والقائل الشيخ الرئيس في الإشارات ، راجع شرح الإشارات ج ٣ ص ١٤٩.
(٣) والقائل صدر المتألّهين في الأسفار ج ٢ ص ٢٦٤.