______________________________________________________
ووجه الدليل منه : أن هذه الثلاثة ليست على حقائقها وإلا اختل معنى البيت ؛ لأنه لا يعلم من علم اليوم إلا ما هو فيه. ولا فائدة في الاقتصار على أمس وغد ؛ فإنه يعلم علم ما قبل الأمس ، ويجهل علم ما بعد غد ؛ فهي كنايات عن الأزمنة ، فاليوم عما هو فيه والأمس عما مضى والغد عما يستقبل ، والأفعال كنايات عن الأحداث بالنظر إلى الزمان ؛ فينبغي إذا أن تكون ثلاثة.
ومنهم من ذهب إلى أن يفعل لا يكون إلا للحال حيث وقع وهو ابن الطراوة (١).
واستدل على ذلك بأنه لا يخبر بالمستقبل نحو سيفعل ، عن المبتدأ إلا أن يكون عامّا أو مؤكدا بإن نحو قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا)(٢) ونحو قول الشاعر :
١٤ ـ وكلّ أناس سوف تدخل بينهم |
|
دويهية تصفرّ منها الأنامل (٣) |
فإن عري منها لم يجز ؛ فيمتنع زيد سيفعل ، وإذا قلنا زيد يفعل كان جائزا ، فدل على أن يفعل حال.
فأما قولهم : زيد يفعل غدا فمعناه زيد ينوي الآن الفعل غدا. وشبهته في منع ذلك أنه مستقبل فلا يتصور الإخبار عنه ؛ لأنه غير متحقق الوجود.
وقد أبطل مذهبه بورود نحو زيد سيفعل ولا توكيد ولا عموم ، قال النّمر بن تولب (٤) : ـ
__________________
(١) هو أبو الحسين سليمان بن عبد الله المالقي المشهور بابن الطراوة. كان نحويّا وأديبا ، سمع كتاب سيبويه من الأعلم وروى عنه السهيلي والقاضي عياض ، له آراء في النحو خالف فيها جمهور النحاة منثورة في كتب النحو. ومن هنا عظمه بعضهم وعابه آخرون على هذه المخالفة.
لم نعثر له على مطبوع أو مخطوط إلا أن السيوطي ذكر له مؤلفات منها : الترشيح في النحو ، المقدمات على كتاب سيبويه ، عاش طويلا وتوفي سنة (٥٢٨ ه). انظر ترجمته في بغية الوعاة (١ / ٦٠٢) ، الأعلام (٢ / ١٩٦).
(٢) سورة مريم : ٩٦.
(٣) البيت من بحر الطويل للبيد بن ربيعة من قصيدة سبق الحديث عنها في الشاهد رقم (٥).
وشاهده هنا : الإخبار بالمستقبل عن المبتدأ لكونه عامّا.
والبيت في التذييل والتكميل (١ / ٨٣) ، ومعجم الشواهد (ص ٢٨٣).
(٤) هو النمر بن تولب العكلي شاعر جواد يسمى الكيس لحسن شعره ، كان جاهليّا حتى أدرك الإسلام فأسلم ووفد على النبي عليه الصلاة والسّلام ؛ وقال له (من الرجز):