______________________________________________________
والقائلون بأن ربما تصرف معنى المضارع إلى المضي يوردون على أنفسهم قوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ)(١).
فيقولون : ظاهره أن الفعل بعد ربما مستقبل [١ / ٤٥] ؛ لأنهم لا يودون ذلك إلا في الآخرة.
ويجيبون بأن التقدير ربما ودّ ؛ فيكون من قبيل ما جعل فيه المستقبل بمنزلة الماضي ؛ فربّ صارفة معنى يود إلى الماضي. وجاز التعبير بالماضي عن المستقبل لصدق الوعد به ، ولقصد التقريب لوقوعه ، فجعل كأنه وقع مجازا ، كما قال الله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ)(٢).
وفي كلام المصنف ما يشعر بأنه لا يلتزم السؤال الذي أورد هنا ، وأنه يحمل الآية الكريمة على ظاهرها من الاستقبال ؛ لأنه قال :
قال ابن السراج (٣) في قوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ)(٤) بأنه لصدق الوعد ، كأنه قد كان ، كما قال تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ)(٥). والصحيح عندي : أن إذ قد يراد بها الاستقبال كما يراد بها ـ
__________________
تقول ولم تعلم عليّ خيانة |
|
ألا ربّ باغ الرّبح ليس برابح |
وقول الآخر :
ألا ربّ من تغتشّه لك ناصح |
|
ومؤتمن بالغيب غير أمين |
(١) سورة الحجر : ٢.
(٢) سورة النحل : ١. وقوله : وجاز التعبير ... إلخ أي بناء على أن ما يلي ربّ هو الماضي في الأصل لفظا ومعنى أو معنى فقط كهذه الآية وعليه يصح التعليل في قوله السابق. وإلا فالفعل في الآية : (رُبَما يَوَدُّ) مستقبل لفظا ومعنى.
(٣) انظر كتابه المشهور له : أصول النحو : (١ / ٥١١) بتحقيق عبد الحسين الفتلي (بغداد ـ العراق). وابن السراج : هو محمد بن السري البغدادي النحوي أبو بكر ، قرأ كتاب سيبويه على المبرد ثم انصرف عن النحو إلى الاشتغال بعلم الموسيقى. وذات يوم حضر مجلس الزجاج فأخطأ في مسألة فوبخه الزجاج فيها فعاد إلى النحو ونظر في دقائق مسائله حتى برع فيه ، توفي شابّا سنة (٣١٦ ه).
مصنفاته : كتاب الأصول في النحو ، وهو مطبوع مشهور في ثلاثة أجزاء. وهو كتاب عظيم ، قيل فيه قديما : ما زال النحو مجنونا حتى عقله ابن السراج بأصوله.
وذكرت المراجع له كتبا أخرى وهي : شرح كتاب سيبويه ، جمل الأصول ، الشعر والشعراء .. إلخ.
وانظر ترجمته في بغية الوعاة (١ / ١٠٩) ، الأعلام (٧ / ٦).
(٤) سورة الحجر : ٢.
(٥) سورة سبأ : ٥١.