ثامنا : ناظر الجيش وأبو حيان :
في مقدمة «تمهيد القواعد» أوضح لنا «ناظر الجيش» أن شيخه أبا حيان تحامل في الرد والمؤخذات تحاملا بيّنا على ابن مالك ، وأنه بالغ في ذلك حتى صارت المناضلة عن المصنف لازمة ، وخرج شرح أبي حيان ـ التذييل والتكميل ـ بسبب هذه الإطالة عن مقصود الشرح ، فتفتحت فيه ـ كما رأى الناظر ـ الثغرات ، وصار في حاجة إلى تقويم.
ونظرة فاحصة متأنية في أبواب التحقيق تقرر لنا ذلك ، أو تؤكده ، وتضيف شيئا آخر : هو أن ناظر الجيش لم تكن كل غايته تخطئة أبي حيان ، ولكنه كان ينقده نقدا موضوعيّا : يؤيده حين يراه على صواب ، ويرفض رأيه حين يجده قد خالف القوم ، أو انحرف عنهم. ولا نعدم في كثير من الأحيان تعليلات ناظر الجيش لذلك.
وسيأتي قريبا موقفهما من الاستشهاد بالحديث الشريف. فأبو حيان قد ردّ استشهادات ابن مالك ، وتعنف في الرد ، والقول ، فجاء الناظر ، ودافع باعتدال عن ابن مالك مبينا ما في ذلك من آراء ، وتوجيهات ، ووقف مع ابن مالك موقف المطمئن. وفي أبواب الكتاب والشرح كله كثير من المسائل والقضايا التي ناقش الناظر فيها شيخه أبا حيان ، ووقف منه مواقف مختلفة إما مادحا وإما قادحا.
وهذه بعض منها : فمن المدح قوله : والذي ذكره الشيخ في الآية الشريفة ظاهر ، وقوله : وهذا التعليل الذي ذكره الشيخ أحسن من تعليل المصنف ، وقوله : وقد أكثر المصنف من ذكر الشواهد على ذلك ولا حاجة إلى إيرادها ؛ لأن هذا كما قال الشيخ لا يحتاج إلى مثال ؛ لأن دواوين العرب ملأى منه.
وقوله : ما ذكره الشيخ حق لا شبهة فيه. وقد كنت أيام الاشتغال وقفت على كلام المصنف رحمهالله في شرح الكافية فرأيته ذكر هذه المسألة كما ذكرها هنا واستشهد بالبيت المذكور ؛ فحصل في خاطري أن القسم وجوابه هو جواب الشرط وأنه لا حذف أصلا وجزمت بذلك ؛ لكن لما رأيت الشيخ ذكره في شرحه اقتصرت على نسبته إليه.