ومن القدح قوله : ولا أعلم ما الذي أوجب له مخالفة النحاة فيما قالوه ، مع أنه لم يستدل على ذلك بشيء.
ومن ذلك ما قاله أبو حيان وقذفه لابن مالك بأنه لم يعرف له شيخ ، انبرى ناظر الجيش ورمى أبا حيان بمثل ما رمى به ابن مالك يقول ناظر الجيش :
وقد كان الشيخ يلمزه ـ ابن مالك ـ أيضا بأنه لا يعرف له شيخ أخذ عنه هذا الفن ، أعني فنّ العربية ، وهو عجب ؛ فإن ذلك يدل على علوّ رتبته وسموّ همته ، وعلى قوة أتاها الله تعالى له .... وقد كان الشيخ مكبّا على هذا الكتاب ـ التسهيل ـ بعد أن كتبه بخطه ، وشحن هوامشه بالأمثلة والشواهد. وكان عمدته وغالب أوقاته ينظر فيه وطالما شاهدته وهو يخرجه من كمّه حين يسأل عن مسألة ، فينظر فيه ويجيب ... ثم إن الناس يذكرون أن الشيخ لم يقرأ كتاب سيبويه على أحد أيضا ببلاد المغرب ، وأنه بعد قدومه إلى الديار المصرية قرأه على الشيخ بهاء الدين بن النحاس مصححا ألفاظه ، ومحررا لها مع قصد الرواية ، أما قراءة بحث وتدبّر فلا.
وأما قوله عن الزمخشري : إنه وافر التبجح كثير الترجح معظم نفسه ، فالزمخشري في صوب آخر يضاد ما ذكره الشيخ عنه .... وبعد : فرضي الله تعالى عنهم أجمعين ...
وبعد ....
فهذه نماذج مختلفة سقناها ؛ لنبين موقف صاحبنا ناظر الجيش من ـ بعض ـ النحاة منذ أول كتاب جمع قواعد النحو ـ وهو كتاب سيبويه ـ حتى أبي حيان شيخ ناظر الجيش ، وقد عكست لنا طريقته في العرض والمناقشة وتقرير المسألة واستخلاص الجواب ـ طول باعه ، وغزارة مادته ، وسعة اطلاعه ، ودقة منهجه ، ونقده الذي يقصد به الوصول إلى الحقيقة بعيدا عن الهوى لعالم معين أو لآخر.
بقي أن نتعرف موقف صاحبنا من الأدلة النحوية ومذهبه النحوي وما لشرحه من ميزات وما عليه من مآخذ. وهذا هو حديث الفصول القادمة.