الإطلاق للأدلّة الواضحة على ذلك ، منها : ما أخرجه البخاري وغيره أنّ عمر في صلح الحديبيّة سأل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن ذلك الصلح وقال : علام نعطي الدنيّة في ديننا. فأجابه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمّ ذهب إلى أبي بكر فسأله عمّا سأل عنه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من غير أن يعلم بجواب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فأجابه بمثل ذلك الجواب سواء بسواء.
يوهم ابن حجر أنّ هناك معضلة كشفها أبو بكر ، أو عويصة من العلوم حلّها ممّا يُعدّ الخوض فيه من الأدلّة الواضحة على أعلميّة صاحبه من الصحابة على الإطلاق ، فليفعل ابن حجر ما شاء ، فإنّ نظّارة التنقيب رقيبة عليه ، والله من ورائه حسيب.
المظهر الثالث : ومن الأدلّة الواضحة عند ابن حجر على أنّ الخليفة أعلم الصحابة على الإطلاق ما روى في الصواعق (ص ١٩) عن عائشة مرسلاً أنّها قالت : لمّا توفّي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ اشرأبّ النفاق ـ أي رفع رأسه ـ وارتدّت العرب ، وانحازت الأنصار ، فلو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها ـ أي فتّتها ـ فما اختلفوا في لفظة إلاّ طار أبي بعبئها وفصلها ، قالوا : أين ندفن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ فما وجدنا عند أحد في ذلك علماً ، فقال أبو بكر : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : ما من نبيّ يقبض إلاّ دفن تحت مضجعه الذي مات فيه. واختلفوا في ميراثه ، فما وجدنا عند أحد في ذلك علماً ، فقال أبو بكر : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : إنّا معشر الأنبياء لا نُورَث ما تركنا صدقة.
ثمّ قال (١) : قال بعضهم : وهذا أوّل اختلاف وقع بين الصحابة فقال بعضهم : ندفنه بمكّة مولده ومنشئه ، وبعضهم بمسجده ، وبعضهم بالبقيع ، وبعضهم ببيت المقدس مدفن الأنبياء ، حتى أخبرهم أبو بكر بما عنده من العلم ، قال ابن زنجويه : وهذه سنّة تفرّد بها الصدّيق من بين المهاجرين والأنصار ورجعوا إليه فيها.
__________________
(١) الصواعق المحرقة : ص ٣٤.