الغلوّ في أبي بكر
ليس من العسير الشديد عرفان حدود أيِّ فرد شئت من الصحابة ، إذ التاريخ ـ مع ما فيه من الخبط والخلط ، مع ما نسجت عليه أيدي المعرّة الأثيمة ، مع ما طمس صحيحه بالفتن المظلمة في أدوارها وقرونها الخالية ، مع ما لعبت به الأهواء المضلّة بالتحريف والاختلاق ، مع ما دسَّ فيه عباقرة الإفك والافتعال ، مع ما سوِّدت صفحاته بآراء تافهة ، ونظريّات سخيفة ، ومبادئ فاسدة ، ونعرات طائفيّة ، ومخاريق قوميّة ، وجنايات شعوبيّة ـ فيه رمز من الحقيقة ، لا يختلط للناقد البصير زُبده بخاثره ، وصحيحه بسقيمه ، ويسع له أن يستخرج المحض بالمخض ، يتّخذ منه دروس الحقائق ، ويعرف به حدود الرجال ، ومقاييس السلف ، ومقادير الأمم الغابرة.
ومن اللازم المحتوم علينا النظرة في تراجم الشخصيّات البارزة من رجال الإسلام سلفاً وخلفاً بعين الإكبار دون عين رمصة ، ولا سيّما من عُرف منهم بالخلافة الراشدة بين الملأ الدينيِّ ولو بالانتخاب الدستوري الذي ليس له أيّ قيمة وكرامة في سوق الاعتبار وميزان العدل : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (١) (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (٢)
__________________
(١) القصص : ٦٨.
(٢) الأحزاب : ٣٦.