فأصبح يقدّم رجلا ويؤخر أخرى ، وواصل سيره إلى عيان في شهر ذو الحجة سنة ٤٦٠ ، وفيها ألقى عصا التّسيار.
استنجاد الحرّة أسماء ولدها المكرم ، وظهور الشّريف الفاضل
ودخلت سنة ٤٦١ فيها احتالت الحرة أسماء بنت شهاب بإرسال كتاب لولدها ، ذكرت فيه أنّها قد حملت من العبد الأسود ، وليس لذلك صحّة فلم يكن الأحول قد رآها قط ، وإنما أرادت استثارة حماسته وحماسة القبائل اليمنية بذلك ، هكذا نصّ عليه المؤرخون (١) وجعلت الكتاب في رغيف ، رمت به إلى رجل من أهل الشرق فسار بالكتاب حتى أوصله إلى المكرم ، فلما قرأه جمع قبائل العرب ، وقرأ عليهم الكتاب جهرا ، فدبّت الحميّة في رؤوسهم ، وأجمعوا على المسير إلى زبيد ، وكان الشريف الفاضل بعيان ، وعنده آل الدّعّام ، وطائفة من بينهم ، ومن وادعة والجميع يحضّونه على الخروج على بني الصّليحي ، فشرح لهم ما يخافه من انتقاضهم ، وما يعانيه من ضيق ذات اليد ، وما عليه حالة أعدائهم من المنعة والقوة ، وكثرة المعاقل والبلاد ، فلما أنس منهم إخلاصا ، انصاع إلى رأيهم ، وأخذ يستعد للنزّول على مقترحهم وانتقل إلى الجوف الاسفل وصار في جماعة وفيرة ، وكان أخوه ذو الشرفين محمد بن جعفر وصنوه الحسن بن جعفر ، قد اتّجها إلى بيت شعيب (٢) وعرّجا على صنعاء ، ونزلا على أميرها من قبل الصّليحي اسماعيل بن أبي جعفر الصليحي ، وتبادل الحديث في هدنة يضربان مدّتها ، وصلح يعتمد النّاس عليه ، وحملهما على التريث إلى أن يقدم المكرم ، فلما قدم المكرم ، قابل الشريفين بكل حفاوة وإكرام ، وحسن عند الفريقين السّعي في الصّلح والهدنة ، وجنح الصليحي إلى كل ما يرضي الأشراف ، مما هو فيه من مهمّة تخليص والدته من أسر الأمير
الحبشي أو الموت دونها ، فتساهل للأشراف ،
__________________
(١) راجع أنباء الزمن والخزرجي وقرة العيون (ص).
(٢) كذا في الأصل ولعلها بيت شهير قرية من جبل عيال يزيد.