الامير بعد هلك الشرفين
كان لمصرع الشّريف الفاضل دويّ الصاعقة في جميع البلاد الموالية للأشراف ، وأصبح نبأ مقتله حديث
السّامر ، وعجالة المسافر ، ولم تكن لوعة الأسى ، وشدة الحزن ، عقدة في لسان الشريف ذي الشرفين مانعة عن تحريك أوتار القلوب ، وإثارة خفايا الأفئدة ، فما زال يستثير همم القبائل ، ويستفز عواطفهم ، حتى أثارها نقمة صاخبة ، على منازل الغدر وبالخادعين ، بمن اجتمع تحت لوائه من القبائل المتفرقة ، فنهض بهم إلى الجوف ، وجعل يستقرى منازل المعتدين ومزارعهم ، ويوسعها نسفا وتدميرا ، ويتأثر الفارين منهم حتى أروى غليله ، وشفا غيظه ، وانتهى الأمر بنقل جثتي الشّريفين هامدتين ، وآلت الأمور إلى دفن الشّريف القاسم بن ابراهيم بعيان ، ودفن الشّريف الفاضل بالحصن من بلاد وادعة ، وفيه يقول مفرج بن أحمد :
سقى قبرا بأرض بني عبيد |
|
بصحن الحضن رجاس الغمام (١) |
ودخلت سنة ٤٦٩ فيها تواردت الأنباء بأن رجل من الاباضية (٢) ببلاد الشرف يقال له ابن عبد المجيد الأباخي أدّعى الإمامة والتف حوله أهل الشرف ، فعظم موقع هذا النبأ عند الأمير ذي الشرفين ، فجمع الجموع ، ونهض إلى بلاد الشرف لقتال الأباضي ، فدارت بينه وبين أتباع ابن عبد المجيد معركة بجبل المحطور (٣) ، كان النصر فيها لذي الشرفين وأصحابه ، وقتل كثير من أتباع مدعي الإمامة ، وقضى على تلك البذرة ، وبعد حادثة الشرف قوي الأمل عند الأمير وأعاد الكرة ، فانتقل إلى الجوف ، وسار إلى نهم ، واستمال بني الدّعام ، وتوثق منهم بالأيمان الغليظة والأقسام الباهضة ،
__________________
(١) رجست السماء رعدت وأوشكت على المطر.
(٢) ظللت الاباضية في جهات اليمن الشمالية إلى ما يقارب القرن الخامس وكانت اسرة مسلم اللحجي تدين بهذا المذهب.
(٣) المحظور : قرية من بلاد الشرق شمالي حجة.