لنصرة المظلومين فلم يجد الإمام بدّا من القيام ، لإخراج الظالم العرجي من حصن اولئك القوم وتكبّد المشاق لذلك. واجتاز طرقا وعرة المسالك ، حتى انه قال لبعض أصحابه : والله لو أعطيت عشرة آلاف على ان أنزل نقيل المحدد (١) ، وهو الذي رجع منه الهادي (٢) الى الحق عليه السلام ، وقال : ما افترض الله عليّ جهادا في هذه البلاد ، ولكني أطلب التّقرب إلى الله في نصرة المظلوم ، ورفع يد الظالم ، وصلة الرّحم في مساعدة صنوي (٣) ، وإسعاف سؤاله ومقصده ، ولما قرب من الحصن المذكور ، أقبل عليه النّاس ، فخاف العرجي على بلاده إن هو استمر في ظلمه وعناده ، فتخلى عن الحصن ، وسلّمه لأربابه ، ورجع الإمام إلى الجوف ، واجتمع إليه آل الدعام ، وغيرهم ، فسار بهم إلى حصنه تلمّص وأقام به أيّاما يراسل القبائل ، ويحرضهم على الاجتماع لقتال أهل صعدة ، فاجتمع منهم خلق كثير ، فتقدّم بهم إلى صعدة وحاصرها أيّاما ولم يتمكن منها لخيانة كانت من قبائل خولان ، فلما عرف ذلك أذن للجنود بالعود إلى بلدانهم.
وفيها وصل الشّريف ابو الفضائل علي بن إدريس السليماني من أرض وساع (٤) مهاجرا إلى الإمام في جماعة من أصحابه ، فأكرم الإمام نزلهم ، وأنزل الشّريف وأهله وحشمه في حصنه تلمص واحلّ الشرفاء الذين معه بدرب الأشراف وبعضهم بالجبجب.
قيام مهدي بن علي واحداثه
قد ذكر مهلك علي بن مهدي وأشرنا إلى قيام ولده عبد النبي وأخيه
__________________
(١) المحدد بفتح الدال وسكون الحاء المهملة ثم دالين مهملتين أولاهما مكسورة قرية آهلة بالسكان من آل الفليحي (صفة ١٢٣).
(٢) انظره سيرة الهادي ص
(٣) الصنو : الشقيق.
(٤) عدّة العقيلي في معجم جازان من أودية المخلاف السليماني.