وكانوا قد أحكموا تحصين المدينة وجعلوا عليها خندقا فأحاط بها عسكر الإمام ، واشتد الحرب حتى اقتحموا المدينة وكبسوا الخندق ، وثغروا السور أيضا ، فخامر الصّعديين الفشل ، والقوا سلاحهم وتراسهم وسائر آلات الحرب ، فاستولى عليها الإمام واخرب كثيرا من دورها ، وعاد الى الجبجب وأذن لعسكره بالعود إلى أهلهم ، ثم انه نقل عائلته من الجبجب إلى الجوف ، فبلغه ان بني مالك ، وأهل صعدة فرحوا بانتقاله ، وانهم توعّدوا الأشراف ويرسم بالانتقام والطرد من البلاد فغار لذلك ، ولحقته الحميّة والرّأفة على أقاربه ، وبني عمه ، وأنصاره ، ورأى انه لا معدى له من حمايتهم ، وقد كره مقامه الأول بالجبجب ، ولا يريد المقام بصعدة ، فطلع حصن تلمص (١) ، قال كاتب سيرته : وهو حصن عظيم جاهلي في طود شامخ منفرد من الجبال مطل على الحقل ، وحاكم عليه وإلى جنبه مدينة صعدة القديمة ، وكانت من المدن الكبار العظيمة ، واسمها في الجاهلية جمع. وبحصن تلمص هذا يضرب المثل ، وكان يسكنه في الجاهلية نوال بن عتيك نازع الأكتاف ، من ولاة سيف بن ذي يزن ، قال الشاعر :
اصبحت توعدني بأمر معضل |
|
حتى كأنك نازع الاكتاف |
عبد ابن ذي يزن برأس تلمص |
|
بين الأرائك مسبل الاسجاف |
فلما طلعه الإمام أحكم تحصينه ، وعبّد طرقه ، وحفر مناهله ، وشاد فيه الغرف والقباب بالجص والآجر ، ومكث فيه إلى شهر محرم سنة ٥٥٨ ، ثم سار إلى الجوف ومنه إلى مسلت ، فوافاه بمسلت صنوه الشريف عبد الله بن سليمان ، وذكر له ان السّلطان منصور بن ابي النور العرجي صاحب مسور ، استطال على قوم بناحيته فأخذ حصنهم وعوّل عليه في القيام
__________________
(١) تلمص : بضم التاء واسكان اللام وضم الميم وصاد حصن مشهور في بلاد سحار من أعمال صعدة كانت تقوم في سفحه مدينة صعدة القديمة (المقحفي : معجم المدن والقبائل ص ٧١).