عزم الإمام إلى نجران واستيلاؤه على صعدة
ودخلت سنة ٥٣٥ فيها إئتنف الإمام الحشد لقصد نجران ، فسار في عسكر كثير فيه أربعمائة ترس ، وألف قوس ، وكان قد بلغه عن أهل نجران تذبذبا في الطاعة ، وكانت كتبهم تنم عن ذلك ، فكان كل فريق منهم يزكّي نفسه ، ويدل على غيره بأنه يتحفز للخلاف ، فأراد أن يعلم المفسد من المصلح ، ونهض إليهم بجموعه وطاف بلادهم ، وتوغّل فيها ، ولاح له ما اعتزم عليه بعضهم ، فلم يكترث بذلك وقابل الإساءة بالإحسان ، وأقام بنجران أياما ، ورجع في حافرته إلى صعدة ، وكان أهل صعدة قد تواثقوا على حربه ، والإمتناع عن تسليم حصون بلادهم إليه ، ولكنهم اطمأنوا إلى ما سمعوا عنه من حسن السيرة بنجران ، فساعدوه على ما أراد وفتحوا له أبواب البلاد ، ولله در القائل :
ولم أر مثل الرفق في فعله |
|
اخرج للحية من جحرها |
وبعد أيام أقامها بصعدة تحول إلى الجبجب ، وهنالك بلغه أن انسانا شرب الخمر ، وخاف الحد فاستجار بالرّبيعة فأجاروه ، وأتوا إلى الإمام متشفعين للشارب فقال لهم الإمام الحق لله ، ولا بدّ من الحد ، وطلب الرجل وأمر بجلده ثمانين حد الشرب ، وبلغه أيضا أن جماعة من بني مالك تراموا فيما بينهم ، فغضب لذلك وأمر بالنفير لحربهم ، فوصلته مشائخ آل سعود ، وهم أهل الجناية ، وقالوا : ما حكمت علينا في جناية هؤلاء الصّبيان فافعله ، فإنا سامعون مطيعون ، فقال : لا بد من حبسهم أو هدم منازلهم فرأوا الخراب أهون عليهم من الحبس ، فامتثلوا فأرسل معهم من أخرب دربالهم بالصّعيد يقال له درب آل أبين ، قال في اللآلىء المضيئة : وكان عليه السّلام يعاقب المحدثين تارة في أجسامهم بالجلد والحبس ، وتارة بخراب منازلهم ، على قدر اجتهاده ، وكان قد أخرب منازل على المحدثين ، منها