العيون والشرقي في لآلية لهذه سلسلة الحوادث والله أعلم.
قيام علي بن محمد الصليحي وأخباره
قال الخزرجي : أجمع علماء التاريخ ورواة الأخبار من أهل اليمن أن القاضي محمد الصليحي ، والد الأمير علي بن محمد الصليحي كان فقيها عالما سني المذهب وكان قاضيا في بلده حسن السيرة مرضي الطريقة ، وكان أهله وجماعته يطيعونه ولا يخرجون عن أمره ، وكان الدّاعي عامر بن عبد الله الزواحي يلوذ به ، ويركن إليه كثيرا لرياسته وسؤدده ، وصلاحه وعلمه فرأى يوما ولده عليا فلاحت له فيه فحائل النجابة وكان يومئذ دون البلوغ ، فكان الداعي عامر بن عبد الله الزّواحي كل ما وصل الى القاضي يتحدث مع ولده على المذكور ، ويخلو به ويطلعه على ما عنده حتى استماله وغرس في قلبه ما غرس من علومه وأدبه ومحبّة مذهبه ، وقيل بل رأى حلية الصّليحي في كتاب الصّور وهو من الكتب القديمة فأوقفه على ما فيه سرّا ، فلما حضرت الدّاعي الوفاة أوصى بجميع كتبه ، وما جمعه من أموال الدّعاية لعلي بن محمد الصليحي فعكف على دراسة تلك الكتب ، وكان ذكيّا فلم يبلغ الحلم حتى تضلّع في معارفه التي بلغ فيها ، وكان فقيها في مذهب الإمامية ، ثم صار يحجّ بالناس دليلا على طريق السّراة ، ولم يزل كذلك نحوا من خمس عشرة سنة ، وكان النّاس يقولون له : بلغنا إنك ستملك اليمن بأسره ، فينكر ذلك على من يقوله مع كونه قد اشتهر على السنة الخاصة والعامة ، فلما كان في سنة ٤٢٩ ثار الصّليحي في رأس جبل مسار ومعه ستون رجلا قد حالفهم على الموت أو الظّفر ، وأخذ في البناء في قلته (١) من بعد طلوع الشمس ذلك اليوم ، فاجتمعت قبائل حراز واستنكروا فعله ، وحاولوا منعه والضرب على يده ، فقدر بكمال دربته وحنكته على استمالتهم وصرفهم عما كانوا متجهين
__________________
(١) رأس الجبل.