وهكذا ينقد المؤلف ويقارن ببصيرة وذكاء بين الحضارات المتفاوتة ، وقد نعمت بعضها بأمن وسلام وازدهار وأخرى بحروب وقلاقل وشقاء وما ذاك إلّا ان اليمن مني بولاة جور طغاة.
ويدفعه استطراده هذا إلى أن يربط أسباب قيام الدّول وسقوطها بخصيّصة الرفق واللّين ، أو عكسهما من قبل بعض الحكام ، فعند ما يأذن الله بزوال دولة يجعلها تجور على رعاياها ، فيكون هذا الأمر عاملا في سقوط تلك الدولة ، فهذه دولة بني رسول التي عرفت في اليمن في أول دورها باللّين والرفق والتقدم العلمي والعمراني تنقض غزلها في آخر حياتها ، ويميل ولاتها إلى البطش والعدوان يقول : «كيف لا والحوادث تنطق بلسان فصيح ، وتعلن لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فيها سمق دوح هذه الحكومة ، ورقّ ظلّها وامتدت أشعة شمسها على روابي اليمن وبطاحه وسهوله ، إبان مجدها وميعة عظمتها واستقامة أخلاقها ، ولكنها لم تثبت طويلا تلك الأوصاف الجميلة بل أصيبت بالداء العضال والسّم الناقع فنخر سوس الفساد في جرثومتها فشاخت وهرمت ، وتداعى بنيان فخارها وانهار ركن مجدها ، فكوّرت شمسها بمقدار ما لا بسها من المرض والضعف ، وما زالت تكور حتى انزوت أشعتها الذابلة في تعز وزبيد وما جاورهما .. وما ذاك إلا عقوبة البغي وتفرق الكلمة ، وانقسام الوحدة واتباع الهوى والاسترسال في القسوة والإيغال في الجور».
المؤرخ الثائر
وهذا يجرنا إلى الحديث عن المطاع المصلح الثائر ، الذي ضحّى بحياته وباع روحه رخيصة في سبيل مبادئه الوطنية وتقدم شعبه وبلاده ، وهو وإن عاش في أبّان قوة الإمام وصولته ، إلا أن هذا لا يمنعه من أن يوجّه الانتقادات ويجعل من درس التاريخ دروسا في أخلاق السياسة وسلوك الحكام. للعظة والإعتبار ، فالتاريخ عنده ليس إلّا أخلاقا سياسية يجب أن