اليمني ، وإنما ألحقه ببحث آخر أبدع فيه مؤلفنا أيما إبداع حيث تتجلى فيه شخصيته البارزة وميوله المتحررة ذلك هو حديثه ، عن جانب العمران والتطور الحضاري وقد أدرج خلال صفحات كتابه ملاحظات عابرة عن حياة الناس والعمران يقول في أول الكتاب أثناء الحديث عن الدّولة الزيادية «دفنت القرون أخبار هذه الإمارة ولم يصل الينا من أخبارهم إلّا نتفا يسيرة وذلك ما سطرناه ولعل القارىء يستنتج من أخبار الخراج وجمل الضّرائب بعض ما يريد عن الحركة العمرانية وسير التجارة ، وسعة النّفوذ ولكن بصورة إجمالية ، وبقدر ما فات المؤرخ من استيعاب المادة اللّازمة يضعف الإستنتاج ويتعذّر الحكم ، والذي يلوح لنا أنه كان بكل جهة من جهات القطر دار ضرب للنقود وشبه استقلال للولاة».
ويجعل للإستغلال وإيثار المصالح الخاصة دور هما البيّن في سقوط العمران وتدهور البلاد. فهذه دولة آل الحجورى وقد انشغل الإخوة بينهم البين بالتقاتل على الملك كان «لروح الإستغلال والإستيثار وما كان لتعارض المصالح والمنافع من أثر في العمران والسكان».
وهكذا يكون تدهور العمران عاملا لمؤثرات سياسية تنخر في جسم التّقدم والانفتاح وتحوزه عن الرخاء والازدهار الحضاري ، فهذه دولة بني أيوب في اليمن وقد أشادت الحضارات والرقي في مصر والشام ، تفشل في إيجاد هذا الأمر في اليمن ، لأسباب يرجعها المؤلف إلى القسوة والطيش في سياسة النّاس ، وعدم استعمال الرفق في الرعية : «وما رحبته اليمن ممن وصل إليها سوى العيث والدمار ، فأين الملك المعظم ومبّراته العلمية ومجمعه الذي أسسه لتأليف معجم اللغة العربية ، من طيش الملك المسعود وبطشه ، وغروره وفتكه بهذه البلاد ، وأين الإحسان الصلاحي ومكارمه ورفقه ، وحسن سيرته ، من شدة طغتكين وظلم عماله وتكالب الجميع على جمع الأموال وإرهاق الأمة».