نظر إليهن المفضل مات لوقته غيرة وأسفا سنة ٥٠٤ ، ومن مبرّات المفضل بن أبي البركات جرّه الغيل من خنوة (١) الى مدينة الجند ونحته لذلك الجبال والصخور ، وبذله كل مستطاع لتعبيد طرقه في بطون الأودية ، ومخارم الجبال وتجديد عمارة الجند.
ومن لطيف ما يروى عنه أنه لما كان بمحل امارته حصن التعكر كانت السيدة تنتقل من ذي جبلة إلى التعكر ايّام الصيف فإذا جاء الشتاء نزلت ذي جبلة ، وكانت ذخائرها وذخائر بني الصّليحي وما يعزّ عليهم من الأموال والتحف موضوعة به ، فذكروا أن المفضل قال لها يوما : يا مولاتنا انظري ما كان لك في هذا الحصن فانقليه فإنّي لا أحب أن يكون لأحد علّ فيه طاعة ، فقالت : لا بأس عليك انت رجل البيت ، ولا تكلفك ما يسؤك ، ولما نزلت من الحصن لم تعد إليه حتى ماتت ، ولكنها تغيّرت عما كانت عليه من الاعتماد عليه في مهماتها وتنكرت له بعض التنكر ، ولما مات المفضل على الضفة المذكورة ، انتقلت السيدة إلى الربادي (٢) ، وكاتبت الفقهاء بالنزول من الحصن على ان يشترطوا عليها ما شاءوا ، فأجابوا إلى ذلك ، ونزلوا بعد أن اشترطوا عليها شروطا وفت لهم بها ، وجعلت فيه مولاها فتح بن مفتاح.
ذكر المتغلبين على صنعاء بعد بني الصليحي
لما تحول المكرم عن صنعاء إلى ذي جبلة استعمل على صنعاء القاضي عمران بن الفضل برهة ، ثم ولّاها حاتم بن الغشم بن المغلس ، ولما عزل القاضي عمران قال مخاطبا المكرم والأمير سبأ بن أحمد :
ولا تحرجا بالعزل أكباد معشر |
|
إذا غضبوا غلّ القنا وتكسرا |
__________________
(١) خنوه : بكسر الحاء المعجمة والنون الساكنة قرية سميت بها عزلة خنوة الواقعة في منتهى مخلاف جعفر متصلة بوادي ظباء من أعمال ذي السفال وذي اشرق.
(٢) الربادي : عزله حصبة تقع جنوبي مدينة ذي جبلة.