السيدة بنت احمد بعد وفاة الداعي سبأ
لما مات (١) الداعي سبأ بن احمد أقامت السّيدة للذّب عن مملكتها والقيام بأمر دولتها المفضل بن أبي البركات بن الوليد الحميري ، وكان عاملا على التعكر ، وما إليه ، وجعلت مكانه أخاه خالد بن أبي البركات ، وبعد مضي سنتنين على خالد المذكور في ولاية التعكر ، قتله الفقيه عبد الله ابن المصوع غيلة ، وكان خالد بن أبي البركات يجلّ الفقيه المذكور ويحترمه ، لعلمه وديانته فسهل له الحجاب ، بحيث لا يمنع عن الدّخول إليه في أي وقت أراد ، فدخل عليه في بعض غفلاته ، وقتله استحلالا لدمه ، لكونه على مذهب الاسماعيلية ، وكان قد استصحب كميّة من المال ليستغوي به الجند المرتّب بذلك المعقل ، ولم يستشر غير نفسه ، فلما قتل خالدا المذكور صاح الفقيه وارتبك فتبادر إليه أهل الحصن والحقوه بمن قتل :
فأضحى كظهر الفحل جبّ سنامه |
|
يدبّ إلى الأعداء احدب باركا |
ثم انه طلع المفضل واليا على التعكر بدلا عن أخيه ، وأظهر عداوة الفقهاء ، وقبض على أموال الفقيه وأراضي قومه قال الجندي : وهي الأملاك القديمة التي في ذي السفال ، وصار المفضل رجل البيت ، ومدير الملك والذّاب عنه ، وغزا عدن لاخضاع المتغلّبين على السيدة عن تسليم الخراج من بني زريع ، وانجد منصور بن فاتك لما استنجد بالسيدة كما سيأتي ، وسار الى زبيد فغنم الفقهاء بعده عن الحصن ووثبوا عليه ، فطلع من زبيد وشدّد عليهم الحصار ، ولما تيقّنوا الضّعف وأحسوا بالهزيمة والاستسلام عمدوا إلى نسائه وجواريه ، فأخرجوهن إلى موضع مشرف من الحصن على محطته ، وأمروهن بضرب الدّفوف ورفع أصواتهن بالغناء (٢) ، وعليهم ثياب الزّينة فلما
__________________
(١) غاية الأماني ص ٢٧٩.
(٢) انظر خبر علماء التعكر في السلوك للجندي وغاية الأماني ص ٢٨٣ والمستبصر لابن المجاور وغيره.