وتولّى بعده الوزارة القائد زريق الكاتب الفاتكي ، وكان ضعيف التّدبير فاستقال ، وتقلّد منصبه أبو منصور مفلح الفاتكي ، وكان حازما شجاعا ، كريما عفيفا قال الخزرجي (١) : وكان النّاس يقولون لو كان له نسب في قريش كملت فيه شروط الخلافة ، وقد أنتهت به الحال الى الخروج من زبيد والاستيلاء على حصن كرش من جبل برع ، وشن الغارات من قبله على زبيد ، وعلى مزاحميه في منصب الوزارة من العبيد ، واستنجد بالشريف غانم بن يحيى السليماني ، فأمده بألف فارس وعشرة آلاف راجل وعلى رأسهم الشّريف غانم ، وقد جعل للشريف لقاء نجدته إسقاط الاتاوة التي كانت على الشريف لصاحب زبيد وهي عبارة عن خمسة وستين ألف دينار.
وتنازل عن بعض الجهة الشمالية من تهامة ، مما هو تحت نفوذ أمراء زبيد ، فنهض الشريف ومفلح الفاتكي في جموعهم وقصدوا مدينة زبيد ، فخرج لمقابلتهم القائد سرور ، أحد المنافسين لمفلح المذكور إلى المهجم ، ولما نشبت الحرب ودارت رحاها أنهزم الشريف وجنوده ، وتم النصر لسرور فقلّده مولاهم ، فاتك بن منصور المهجم ، وما يليها من الأعمال الشامية ، وعاد مفلح إلى حصن الكرش ومات به سنة ٥٢٧ (٢) وخلف ابنه منصور فحارب سرور ، وهو أمير المهجم والقائم بأعمال الوزارة إقبال الفاتكي ، ثم أن أصحاب منصور ، تخلوا عنه ، وخذلوه فطلب من إقبال الأمان فأمنه ثم غدر به وقتله فغضب السّلطان فاتك وهمّ بإقبال الفاتكي ، فاعتذر إليه واسترضاه فسكت على وغل ولكن الوزير لم يطمئن الى ذلك السّكوت ، وأخذ يفكر في جريمة أخرى ، وهو قتل مولاه السلطان ، ولم يزل يحتال حتى تمكّن وسقاه السم سنة ٥٣١
__________________
(١) العسجد ص ١٢٧.
(٢) الخزرجي وقرة العيون ، وأما صاحب أنباء الزمن فإنه استطرد هذه الحوادث في سنة ٥١٩ واعتبر ما بعدها من السنين إلى سنة ٥٢٤ خالية عما ينبغي ذكره وفي سنة ٥٢٤ ذكر طريق البصرة وحضرموت (ص).