مراد (١) ، فوادى مأرب ، فالجوف ، ومنه إلى عمران وتكبّد في طريقه هذه من المشاق ما يوهي القوى ، ويوهن الأعناق ، وروى الخزرجي (٢) سببا آخر لتخاذل قبائل جنب عن الإمام ، وهو انه وصل إلى جنب ، وكان بينهم قتول كثيرة ، فأراد الإمام أن يصلح بينهم ، ويجمع كلمتهم ، فلما علم السلطان حاتم بن أحمد بذلك ، ركب في رجال من همدان ، وقصدهم إلى قرب ذمار ، فوصل ، وقد اجتمعت قبائل جنب بأسرها لملاقاة الإمام ، فدخل وسط الحلقة ، وهو على حصانه ، فلم ينكروه ، وقال : حياكم الله يا وجوه العرب ، لا يعيّب عليّ من خلفي فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ، ولا وجهين في رأسه ، ثم قال : وصلناكم يا وجوه العرب لأمر لكم فيه شرف ، ولنا فيه عز إلى حين فرحّبوا به وعرفوا مقصده ، فقال : علمت أنكم في طلب الإصلاح ، وأخذ ذمم بينكم ، وهدم قتول من عشائركم ، فرأيت أن ألمّ شملكم ؛ وأقطع عنكم ما تحاذرون ، وأتحمل في مالي ديات قتلاكم فحمدته على ذلك ومن حضر من قبائل العرب ، ثم أفترق ذلك الجمع ، وراح معهم إلى ذمار ، وكتب إلى أهله بصنعاء :
مملوك بعضهم ووالد بعضهم |
|
وشقيق بعضهم وهذا جامع |
أبليتهم حملي ديات عتيدة (٣) |
|
ان المكارم في الرقاب ودائع |
فليسرعوا من فورهم تصديرها |
|
متعّمدين نفاذ ما أنا صانع |
وأنفذ بالكتاب رسولا على الفور ، فما لبث أن عاد الرّسول بالمال وكانت ديات جمة ، ففرقها لجنب ، وفرق جموع الأشراف انتهى.
ولما استقرّ الإمام بعمران هذه المرة ، وجّه عنايته نحو الزّراعة ، واتخذ مزارع واسعة وبينما هو مكبّ على عمله إذ وفد عليه ولده المطهر بن أحمد في
__________________
(١) جبل وعزلة من بلاد صرواح وأعمال مارب تسكنه قبيلة مراد المشهورة.
(٢) العسجد المسبوك ص ٧٦.
(٣) في مطبوعة قرة العيون ج ١ ص ٢٩٤ «بينهم حملى ديات عتيدة».