ثلاثين عاما ، وظهر عليه من الفتح والبركة والتسخير ما لا يوصف ، وأمره شهير ، صدره شيخنا أولا لقبيلة إدو الحاج بأرض شنجيط ، ثم رجع لشيخنا ، فأرسله خليفة لزاويته في فاس ، فكان له بها شأن عظيم ، انقادت له علماء فاس وسلموا له في العلم الظاهر والباطن ، وكثرت اتباع شيخنا مع ما كان لهم من الكثرة بواسطته في تلك النواحي ، وجعله شيخنا واسطة في أكثر الشؤون بينه وبين سلطان المغرب ، فكانت له مكانة عند السلطان والقواد وسائر الدولة كبيرة ، وهو ذو أشواق وأذواق وجذب عظيم ، مع اتساعه في سائر العلوم ، وشدة تعلقه بشيخنا ، وسلبه إرادته في إرادته. وله تآليف كثيرة في أكثر الفنون ، وجلّ تآليفه في أخبار شيخنا وكراماته وبث فضائله وفوائده ، وهو مظهر من مظاهر شيخنا العظام ، أودع فيه ما استوجب به غاية الإجلال والإعظام ، ثم انتقل بعد وفاة شيخنا رضياللهعنه إلى الحرمين ، فحج مرارا ، وظهر فيهما ظهورا لا يوصف ، وكثرت أتباعه ، وخضعت له جبابرة الملوك ، وتتلمذت عليه أهل الجذب والسلوك ، وله كرامات كثيرة ، وأموره في خرق العادات شهيرة ، ولم يزل بالمدينة المنورة مجاورا خير الأولين والآخرين حتى توفي بها رحمهالله ، ودفن بالبقيع ، وقبره هناك شهير يزار وتقضى عنده الحاجات. وقد اختصرنا غاية ترجمته لأنا لو تتبعناها لاحتجنا إلى طول كثير ، وقد ظهرت بركته على مريده إعزاز الدين المذكور ، وانتفع به باطنه وظاهره ، واستقام به حاله ، فعاملنا معاملة التلاميذ الخالصين لأشياخهم ، من تواضع والتماس بركة ، وامتثال أمر ، وبذل ال إلى غير ذلك ، جزاه لله خيرا. فلم نزل بحمد الله تعالى ملازمين المسجد الحرام في أكثر أوقاتنا ليلا ونهارا ، لإقامة الصلوات به ولإدمان الطواف ، ولم نتفرغ لغير ذلك من زيارة مشاهد الخير التي ينبغي للحاج زيارتها بمكة لقلة الإقامة بها ، فاغتنمنا الاشتغال بها بما هو أفضل وآكد ، من ملازمة البيت الحرام ، فلم نفارقه ـ بحمد الله ـ إلا في أوقات الضروريات التي لا بد منها ، وإلا إذا ستدعانا أحد الأحبة الأعيان لمحله ، لما في ذلك من جبر الخاطر وإجابة الدواعي المأمور بهما.