ذلك مما هو كثير ، وتنبغي المثابرة على الطواف بعد الصبح والعصر ، لما رواه ابن عمر عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «طوافان لا يوافقهما عبد مسلم إلا خرج من ذنوبه كما ولدته أمه ، وغفرت له ذنوبه بالغة ما بلغت ، طواف بعد الصبح ، يكون فراغه عند طلوع الشمس ، وطواف بعد العصر ، يكون فراغة عند غروب الشمس ، فقال رجل : «يا رسول الله ، لم يستحبّ هاتان الساعتان؟ قال : ساعتان لا تعدوهما الملائكة» ، ومن الأوقات التي ينبغي الطواف فيها ، وقت المطر ، لما روى عنه صلىاللهعليهوسلم ، فقد قال : «من طاف بالكعبة يوم المطر ، كتب الله له بكل قطرة نصيبه حسنة ، ومحا عنه بالأخرى سيئة» (٣٠٠) وعن أبي عقال ، قال : «طفت مع أنس ابن مالك رضياللهعنه في مطر (٣٠١) ، فلما قضينا الطواف ، أتينا المقام ، فصلينا ركعتين ، ـ فقال لنا أنس : استأنفوا العمل ، فقد غفر لكم ما مضى ، ها كذا قال لنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وطفنا معه في مطر». ومنها عند خلو المطاف ، لأنه حينئذ يكون قائما بهذه العبادة العظيمة من غير مشارك له في سائر أقطار الأرض. وكذلك قال العلماء : لو حلف ليعبدن الله بعبادة لا يشركه أحد فيها ، فالخلاص أن يخلى له المطاف ، فيطوف به وحده ، قال جامعه ، غفر الله له ، وقد منّ الله علينا بالطواف في هذه الأوقات المذكورة بعد الصبح والعصر ، فكثيرا ما نطوف تلك الساعتين ، بل لم يفتنا الطواف فيهما ، ولله الحمد ، أيامنا بمكة المشرفة ، وأما ساعة المطر ، فقد نزل علينا مطر في بعض أيامنا بمكة بعد العصر ، ونحن نطوف ولله الحمد ، ووقع ازدحام كبير في الحجر لرغبة الناس في الشرب من الماء الذي يصب فيه من ميزاب الرحمة ، وكنا بحمد الله ممن شرب منه ، وأما عند خلو المطاف ، فبينما نحن نطوف يوما في الازدحام إذ أقبل أصحاب الملك عبد العزيز ، فدفعوا الناس عن المطاف ، وردوهم إلى نواحي المسجد ، وحاط عساكره بالبيت العتيق ، فلم يبق به طائف إلا أنا ، والشيخ محمد الإمام بن شيخنا الشيخ ماء العينين ، فإنهم لم يتعرضوا لنا حتى أتممنا طوافنا ، فالتفت إلى الشيخ ، وقلت له :
__________________
(٣٠٠) نفس المصدر حديث رقم ، ١٠٤٨ ، وارد بمعناه.
(٣٠١) أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار ، أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي ، ج ، ٢ ، ص ٤ ـ ٥ ـ ٢١ ، ط ٣ ، ١٣٩٨ / ١٩٨٧.