انقطعوا عنا بإقبال الليل ، فبتنا تلك الليلة ، وهي ليلة الجمعة في بعض المحلات القريبة من المدينة المنورة ، وكانت طريقنا هذه في السيارة على ساحل البحر ، وهي طريقه صلىاللهعليهوسلم ، في هجرته من مكة إلى المدينة المنورة ، ثم ركبنا صبيحة يوم الجمعة ، ونزلنا ضحى بذي الحليفة عند بئر علي كرم الله وجهه بمحلة هناك ، حتى توضّأنا ، وأصلحنا شؤوننا ، ولبسنا فاخر ثيابنا ، لأن من السنة لداخل المدينة أن يتطيب ويلبس فاخر ثيابه ، فركبنا وقد فاضت العبرات وتوالت الزّفرات وطاشت العقول وشمرت الذيو ، وانتعشت الأرواح والأفكار ، وانبعثت الأسماع والأبصار واستولت على النفوس الأفراح المزدادة ، حتى أخرجتها عن مألوفاتها المعتادة ، لما سطعت أضواء المدينة المنورة وأشرقت ديارها بنوره صلىاللهعليهوسلم ساطعة وتلألأت خلال المدينة الغراء سواطع القبّة الخضراء ، وحللنا ساحة تلك البقاع الطاهرات الموذنة بالتقديس ، فكنا على الصفة التي ذكرنا بهذا التخميس :
[الطويل]
بقاع بأرواح المحبّن جأجأت |
|
فلما استبانتها الجسوم تثأثأت |
ودانت لها هاماتها وتطأطأت |
|
(هنالك خضراء القباب تلألأت |
بها رفرف الأنوار لألأؤه ازدهر) |
|
وذا مسجد الهادي محلّ التذاذة |
بتوضيح منهاج الهدى واتخاده |
|
وتيك مغاني نشره ونفاذه |
وذاك قباء والبقيع وهذه |
|
قباب أهاله الجهابذة الغرر) |
فكم مدمع من خشية الله ساكب |
|
هناك وكم ماش إليها وراكب |
وكاب لديها لازدحام المناكب |
|
(فليت مطايا الوهم كانت مراكب |