فعلى قول ابن عباس ، لا يجوز التزوج بالأمة الكتابية ، وهو مذهب الشافعي. قال : لأنه اجتممعع في حقها نوعان من النقصان : الكفر والرق. وعلى قول الحسن ومن رافقه ، يجوز التزويج بالأمة الكتابية ، وهو مذهب أبي حنيفة ، لعموم هذه الآية ، واختلف العلماء في حكم هذه المسألة ، فذهب جمهور الفقهاء إلى جواز التزويج بالذميات من اليهود والنصارى. روي أن عثمان بن عفان تزوج نائلة بنت الفرافصة (٤٧) على نسائه ، وهي نصرانية ، وأن طلحة بن عبيد الله تزوج يهودية. وروي عن ابن عمر كراهية ذلك ، ويحتج بوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) ، وكان يقول : لا أعلم شرطا أعظم من قولها إن ربها عيسى. وأجاب الجمهور عن قوله : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ)(٤٨) بأنه عام ، خص بهذه الآية ، فأباح الله تعالى المحصنات من أهل الكتاب ، وحرم من سواهن من أهل الشرك. وقال سعيد بن المسيب والحسن : يجوز التزويج بالذميات والحربيات من أهل الكتاب ، لعموم قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)(٤٩). وأجاب جمهور العلماء بأن ذلك مخصوص بالذميات دون الحربيات من أهل الكتاب. قال ابن عباس : من نساء أهل الكتاب من تحل لنا ومنهن من لا تحل لنا ، وقرأ» قاتلوا الذين لا يومنون بالله» إلى قوله : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ)(٥٠) ، والمراد بهم أهل الذمة دون أهل الحرب من أهل الكتاب» (٥١).
وقال ابن حيان في تفسيره البحر ، ما ملخصه : والظاهر جواز نكاح الحربية الكتابية لاندارجها في عموم المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم. وخص ابن عباس هذا العموم بالذمية ، فأجاز نكاح الذمية دون الحربية ، ولم يفرق غيره من الصحابة بين الحربيات والذميات ، ولا خلاف بين السلف وفقهاء الأمصار في إباحة
__________________
(٤٧) الفرافصة : هو صهر عثمان بن عفان ، السيرة النبوية ، ج ١ ص ٧٧.
(٤٨) سورة البقرة الآية ٢٢١.
(٤٩) سورة المائدة الآية ٥.
(٥٠) سورة التوبة الآية ٢٩.
(٥١) تفسير الخازن ص ١٥ ـ ١٦.