متصلة بمباني مدينة عين شمس ، وجاء الإسلام ، وبها بناء يعرف بالقصر حوله مساكن ، وعليه نزل عمرو بن العاص ، وضرب فسطاطه حيث المسجد الجامع المنسوب إليه ، ثم لما فتحها : قسم المنازل على القبائل ، ونسبت المدينة إليه ، فقيل : فسطاط عمرو ، وتداولت عليها بعد ذلك ولاة مصر ، فاتخذوها سريرا للسلطنة وتضاعفت عمارتها ، فأقبل الناس من كل جانب إليها ، وقصروا أمانيهم عليها إلى أن رسخت بها دولة بني طولون ، فبنوا إلى جانبها المنازل المعروفة بالقطائع ، وبها كان مسجد ابن طولون الذي هو الآن إلى جانب القاهرة ، وهي مدينة مستطيلة يمرّ النيل مع طولها ، ويحط في ساحلها المراكب الآتية من شمال النيل ، وجنوبه بأنواع الفوائد ، ولها منتزهات ، وهي في الإقليم الثالث ، ولا ينزل فيها مطر إلّا في النار ، وترابها تثيره الأرجل ، وهو قبيح اللون تتكدّر منه أرجاؤها ويسوء بسببه هواؤها ، ولها أسواق ضخمة إلّا أنّها ضيقة ومبانيها بالقصب ، والطوب طبقة على طبقة ، ومذ بنيت القاهرة ، ضعفت مدينة الفسطاط ، وفرّط في الاغتباط بها بعد الإفراط ، وبينهما نحو ميلين ، وأنشد فيها الشريف العقيلي :
أحنّ إلى الفسطاط شوقا وإنني |
|
لأدعو لها أن لا يحلّ بها القطر |
وهل في الحيا من حاجة لجنابها |
|
وفي كل قطر من جوانبها نهر |
تبدّت عروسا والمقطم تاجها |
|
ومن نيلها عقد كما انتظم الدر |
وقال عن كتاب آخر : فالفسطاط هي قصبة مصر ، والجبل المقطم شرقها ، وهو متصل بجبل الزمرّذ.
وقال عن كتاب ابن حوقل : والفسطاط مدينة حسنة ينقسم النيل لديها ، وهي كبيرة نحو ثلث بغداد ، ومقدارها نحو فرسخ على غاية العمارة والطيبة واللذة ، ذات رحاب في محالها ، وأسواق عظام فيها ضيق ، ومتاجر فخام ، ولها ظاهر أنيق وبساتين نضرة ، ومنتزهات على ممرّ الأيام خضرة ، وفي الفسطاط قبائل ، وخطط للعرب تنسب إليها كالبصرة والكوفة إلا أنها أقل من ذلك ، وهي سبخة الأرض غير نقية التربة ، وتكون بها الدار سبع طبقات وستا وخمسا ، وربما يسكن في الدار المائتان من الناس ، ومعظم بنيانهم بالطوب ، وأسفل دورهم غير مسكون ، وبها مسجدان للجمعة : بنى أحدهما عمرو بن العاص في وسط الفسطاط ، والآخر على الموقف بناه أحمد بن طولون ، وكان خارج الفسطاط أبنية بناها أحمد بن طولون ميلا في ميل يسكنها جنده تعرف بالقطائع ، كما بنى بنو الأغلب خارج القيروان وقادة ، وقد خربتا في وقتنا هذا ، وأخلف الله بدل القطائع بظاهر مدينة الفسطاط القاهرة.
قال ابن سعيد : ولما استقررت بالقاهرة تشوّقت إلى معاينة الفسطاط ، فسار معي أحد أصحاب العزمة ، فرأيت عند باب زويلة من الحمير المعدّة لركوب من يسير إلى الفسطاط