يصدّقه الاختبار طولا بريدا (١) ، وما يزيد عليه ، وهو من مسجد تبر إلى بساتين الوزير قبليّ بركة الحبش ، وعرضا يكون نصف بريد فما فوقه ، وهو من ساحل النيل إلى الجبل ، ويدخل في هذا الطول والعرض بركة الحبش ، وما داربها وسطح الجرف المسمى : بالرصد ، ومدينة الفسطاط التي يقال لها : مدينة مصر ، والقرافة الكبرى والصغرى ، وجزيرة الحصن المعروف اليوم : بالروضة ، ومنشأة المهرانيّ ، وقطائع ابن طولون التي تعرف الآن بحدرة ابن قميحة ، وخط جامع ابن طولون والرميلة تحت القلعة ، والقبيبات وقلعة الجبل والميدان الأسود الذي هو اليوم مقابر أهل القاهرة خارج باب البرقية إلى قبة النصر ، والقاهرة المعزية ، وهو ما دار عليه السور الحجر ، والحسينية والريدانية ، والخندق وكوم الريش ، وجزيرة الفيل ، وبولاق ، والجزيرة الوسطى المعروفة بجزيرة أروى (٢) ، وزريبة قوصون ، وحكر ابن الأثير ، ومنشأة الكاتب ، والأحكار التي فيما بين القاهرة ، وساحل النيل ، وأراضي اللوق ، والخليج الكبير الذي تسميه العامّة بالخليج الحاكميّ ، والحبانية والصليبة والتبانة ، ومشهد السيدة نفيسة ، وباب القرافة ، وأرض الطبالة ، والخليج الناصريّ ، والمقس والدكة ، وغير ذلك مما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى ، وقد أدركنا هذه المواضع ، وهي عامرة ، والمشيخة تقول : هي خراب بالنسبة لما كانت عليه قبل حدوث طاعون سنة تسع وأربعين وسبعمائة الذي يسميه أهل مصر : الفناء الكبير ، وقد تلاشت هذه الأماكن ، وعمها الخراب منذ كانت الحوادث بعد سنة ست وثمانمائة ، ولله عاقبة الأمور.
ذكر بناء القاهرة وما كانت عليه في الدولة الفاطمية
وذلك أن القائد جوهر الكاتب : لمّا قدم الجيزة بعساكر مولاه الإمام المعز لدين الله أبي تميم معدّ أقبل في يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من شعبان سنة ثمان وخمسين وثلثمائة ، وسارت عساكره بعد زوال الشمس ، وعبرت الجسر أفواجا ، وجوهر في فرسانه إلى المناخ الذي رسم له المعز موضع القاهرة الآن ، فاستقرّ هناك ، واختط القصر ، وبات المصريون ، فلما أصبحوا حضروا للهناء ، فوجدوه قد حفر أساس القصر بالليل ، وكانت فيه ازورارات غير معتدلة ، فلما شاهدها جوهر لم يعجبه ، ثم قال : قد حفر في ليلة مباركة ، وساعة سعيدة ، فتركه على حاله ، وأدخل فيه دير العظام ، ويقال : إن القاهرة اختطها جوهر في يوم السبت لست بقين من جمادى الآخرة ، سنة تسع وخمسين ، واختطت كل قبيلة خطة عرفت بها : فزويلة بنت الحارة المعروفة بها ، واختطت جماعة من أهل برقة الحارة البرقية ، واختطت الروم حارتين : حارة الروم الآن ، وحارة الروم الجوّانية بقرب باب النصر ، وقصد
__________________
(١) البريد : فرسخان أو اثنا عشر ميلا.
(٢) جزيرة أروى : وكانت تعرف أيضا بالجزيرة الوسطى لأنها فيما بين الروضة وبولاق وفيما بين القاهرة والجيزة لم ينحسر عنها الماء إلا بعد سنة سبعمائة. صبح الأعشى ١٤ / ٣١٧.