فقال ابن زياد لشمر بن ذي الجوشن : اخرج بهذا الكتاب إلى عمرو فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي ، فإن فعلوا فليبعث بهم ، وإن أبوا ، فليقاتلهم ، فإن فعل فاسمع له ، وأطع وإن أبى فأنت الأمير عليه ، وعلى الناس ، واضرب عنقه وابعث إليّ برأسه.
وكتب إلى عمرو بن سعد : أمّا بعد ، فإني لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه ، ولا لتنميه ، ولا لتطاوله ولا لتقعد له عندي شافعا أنظر ، فإنّ نزل حسين وأصحابه على الحكم ، واستسلموا فابعث بهم إليّ سلما ، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم ، وتمثل بهم ، فإنهم لذلك مستحقون ، فإن قتل الحسين ، فأوطىء الخيل صدره وظهره ، فإنه عاق شاق قاطع ظلوم ، فإن أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أنت أبيت ، فاعتزل جندنا ، وخل بين شمر وبين العسكر والسلام.
فلما أتاه الكتاب ركب والناس معه بعد العصر ، فأرسل إليهم الحسين : ما لكم؟ فقالوا : جاء أمر الأمير بكذا ، فاستمهلهم إلى غدوة ، فلما أمسوا ، قام الحسين ومن معه الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرّعون ، فلما صلى عمرو بن سعد الغداة يوم السبت ، وقيل : يوم الجمعة يوم عاشوراء ، خرج فيمن معه ، وعبىء الحسين أصحابه ، وكان معه اثنان وثلاثون فارسا ، وأربعون راجلا ، وركب ومعه مصحف بين يديه وضعه أمامه ، واقتتل أصحابه بين يديه ، وأخذ عمرو بن سعد سهما ، فرمى به ، وقال : اشهدوا أنّي أوّل من رمى الناس ، وحمل أصحابه فصرعوا رجالا ، وأحاطوا بالحسين من كل جانب ، وهم يقاتلون قتالا شديدا ، حتى انتصف النهار ، ولا يقدرون يأتونهم إلّا من وجه واحد ، وحمل شمر حتى بلغ فسطاط الحسين ، وحضر وقت الصلاة ، فسأل الحسين أن يكفوا عن القتال حتى يصلي ، ففعلوا ، ثم اقتتلوا بعد الظهر أشدّ قتال ، ووصل إلى الحسين ، وقد صرعت أصحابه ، ومكث طويلا من النهار ، كلما انتهى إليه رجل من الناس رجع عنه ، وكره أن يتولى قتله.
فأقبل عليه رجل من كندة يقال له : مالك فضربه على رأسه بالسيف ، قطع البرنس وأدماه ، فأخذ الحسين دمه بيده ، فصبه في الأرض ثم قال : اللهمّ إن كنت حبست عنا النصر من السماء ، فاجعل ذلك لما هو خير وانتقم من هؤلاء الظالمين ، واشتدّ عطشه ، فدنا ليشرب فرماه حصين بن تميم بسهم ، فوقع في فمه ، فتلقى الدم بيده ، ورمى به إلى السماء ، ثم قال بعد حمد الله والثناء عليه : اللهمّ إني أشكو إليك ما يصنع بابن بنت نبيك ، اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ، ولا تبقى منهم أحدا ، فأقبل شمر في نحو عشرة إلى منزل الحسين ، وحالوا بينه وبين رحله ، وأقدم عليه وهو يحمل عليهم ، وقد بقي في ثلاثة ، ومكث طويلا من النهار ولو شاءوا أن يقتلوه لقتلوه ، ولكنهم كان يتقي