مستهلّ رمضان سنة اثنتين وستين فتلقاه عمرو بن قحزم الخولانيّ ، فقال : يغفر الله لأمير المؤمنين أما كان فينا مائة شاب كلهم مثلك ، يولي علينا أحدهم ، ولم تزل أهل مصر على الشنآن له ، والإعراض عنه ، والتكبر عليه حتى توفي يزيد بن معاوية ، ودعا عبد الله بن الزبير رضياللهعنه إلى نفسه ، فقامت الخوارج الذين بمصر ، وأظهروا دعوته ، وسار منهم إليه ، فبعث لعبد الرحمن بن جحدم ، فقدم واعتزل سعيدا ، فكانت ولايته سنتين غير شهر.
ثم وليها : عبد الرحمن بن عتبة بن جحدم من قبل عبد الله بن الزبير ، فدخل في شعبان سنة أربع وستين في جمع كثير من الخوارج ، فأظهروا التحكيم ، ودعوا إليه ، فاستعظم الجند ذلك ، وبايعه الناس على غل في قلوب شيعة بني أمية ، ثم بويع مروان بن الحكم بالخلافة في أهل الشام ، وأهل مصر معه في الباطن ، فسار إليها ، وبعث ابنه عبد العزيز في جيش إلى أيلة ليدخل مصر من هناك ، وأجمع ابن جحدم على حربه ، وحفر الخندق في شهر ، وهو الذي في شرقيّ القرافة ، وقدم مروان ، فحاربه ابن جحدم ، وقتل بينهما كثير من الناس ثم اصطلحا ، ودخل مروان لعشر من جمادى الأولى سنة خمس وستين ، فكانت مدّة ابن جحدم تسعة أشهر ، ووضع مروان العطاء ، فبايعه الناس إلّا نفرا من المغافر قالوا : لا نخلع بيعة ابن الزبير ، فضرب أعناقهم ، وكانوا ثمانين رجلا ، وذلك للنصف من جمادى الآخرة ، يومئذ مات عبد الله بن عمرو بن العاص ، فلم يستطع أن يخرج بجنازته إلى المقبرة لشغب الجند على مروان ، وجعل مروان صلات مصر ، وخراجها إلى ابنه عبد العزيز ، وسار وقد أقام بها شهرين لهلال رمضان.
عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص أبو الأصبغ ولي من قبل أبيه لهلال رجب سنة خمس وستين على الصلات والخراج ، ومات أبوه ، وبويع من بعده عبد الملك بن مروان ، فأقرّ أخاه عبد العزيز ، ووقع الطاعون بمصر سنة سبعين ، فخرج عبد العزيز منها ، ونزل حلوان ، فاتخذها دارا وسكنها ، وجعل بها الأعوان ، وبنى بها الدور والمساجد ، وعمرها أحسن عمارة ، وغرس نخلها وكرمها ، وعرّف بمصر ، وهو أول من عرّف بها في سنة إحدى وسبعين ، وجهز البعث في البحر لقتال ابن الزبير في سنة اثنتين وسبعين ، ثم مات لثلاث عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ست وثمانين ، فكانت ولايته عشرين سنة ، وعشرة أشهر وثلاثة عشر يوما.
فولي : عبد الله بن عبد الملك بن مروان من قبل أبيه على صلاتها وخراجها ، فدخل يوم الاثنين لإحدى عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة ست وثمانين ، وهو ابن تسع وعشرين سنة ، وقد تقدّم إليه أبوه أن يقتفي آثار عمه عبد العزيز ، فاستبدل بالعمال وبالأصحاب ، ومات عبد الملك ، بويع ابنه الوليد بن عبد الملك ، فأقرّ أخاه عبد الله ، وأمر عبد الله ، فنسخت دواوين مصر بالعربية ، وكانت بالقبطية ، وفي ولايته غلت الأسعار،