وأنت وإن لم تبق مني صبابة |
|
منى النفس لم تقصد سواك بوجهة |
وكلّ فصيح منك يسري لمسمعي |
|
وكلّ مليح منك يبدو لمقلتي |
تهون عليّ النّفس فيك وإنها |
|
لتكرم أن تغشى سواك بنظرة |
فإن تنظريني بالرّضا تشف علّتي |
|
وإن تظفريني باللقا تطف غلّتي |
وإن تذكريني والحياة بقيدها |
|
عدلت لأمتي منيتي بمنيّتي |
وإن تذكريني بعدما أسكن الثرى |
|
تجلّت دجاه عند ذاك وولّت |
صليني وإلّا جدّدي الوعد تدركي |
|
صبابة نفس أيقنت بتفلّت |
فما أمّ بوّ هالك بتنوفة (١) |
|
أقيم لها خلف الحلاب فدرّت |
فلمّا رأته لا ينازع خلفها |
|
إذا هي لم ترسل عليه وضنّت |
بكت كلّما راحت عليه وإنها |
|
إذا ذكرته آخر الليل حنّت |
بأكثر منّي لوعة غير أنني |
|
رأيت وقار الصّبر أحسن حلية |
فرحت كما أغدو إذا ما ذكرتها |
|
أطامن أحشائي على ما أجنّت |
أهوّن ما ألقاه إلّا من القلى |
|
هوى ونوى نيل الرّضا منك بغيتي |
أخوض الصّلى أطفي العلا والعلوّ لا |
|
أصلّ السّلا أرعى الخلى بين عبرتي |
ألا قاتل الله الحمامة غدوة |
|
لقد أصلت الأحشاء نيران لوعة |
وقاتل مغناها وموقف شجوها |
|
على الغصن ما ذا هيّجت حين غنّت |
فغنّت غناء أعجميّا فهيّجت |
|
غرامي من ذكرى عهود تولّت |
فأرسلت الأجفان سحبا وأوقدت |
|
جواي الذي كانت ضلوعي أكنّت (٢) |
نظرت بصحراء البريقين نظرة |
|
وصلت بها قلبي فصلّى وصلّت |
فيا لهما قلبا شجيّا ونظرة |
|
حجازيّة لو جنّ طرف لجنّت |
ووا عجبا للقلب كيف اعترافه |
|
وكيف بدت أسراره خلف سترة |
وللعين لمّا سوئلت كيف أخبرت |
|
وللنفس لما وطّنت كيف دلّت |
وكنّا سلكنا في صعود من الهوى |
|
يسامي بأعلام العلا كلّ رتبة |
إلى مستوى ما فوقه فيه (٣) مستوى |
|
فلمّا توافينا ثبثّ وزلّت |
__________________
(١) البوّ : ولد الناقة. التنوفة : الأرض الواسعة التي لا ماء فيها ولا إنسان. محيط المحيط (بوو) و (تنف).
(٢) أكنّت : سترت. محيط المحيط (كنن).
(٣) كلمة «فيه» ساقطة من الإحاطة ، وقد أضفناها من النفح.