اعتلالك ، وترفّق بها ترفّق أمثالك ، فإذا مالت (١) بهم إلى هواك الأشواق ، ولووا إليك الأرؤس والأعناق ، وسألوك عن اضطرابي في الآفاق ، وتقلّبي بين الإشآم والإعراق ، فقل لهم : عرض له في أسفاره ، ما يعرض للبدر في سراره ، من سرّ (٢) السّرار ، وطاق (٣) المحاق ، وقد تركته وهو يسامر الفرقدين ، ويساير النّيّرين ، وينشد إذا راعه البين (٤) : [البسيط]
وقد نكون وما يخشى تفرّقنا |
|
واليوم (٥) نحن وما يرجى تلاقينا |
لم يفارق وعثاء (٦) الأسفار ، ولا ألقى من يده عصا التّسيار ، يتهاداه الغور (٧) والنّجد ، ويتداوله الإرقال (٨) والوخد ، وقد لفحته الرّمضاء ، وسئمه (٩) الإنضاء. فالجهات تلفظه ، والآكام تبهظه ، تحمل (١٠) همومه الرّواسم ، وتحفى (١١) به النّواسم : [البسيط]
لا يستقرّ بأرض حين يبلغها |
|
ولا له غير حدو العيس إيناس |
ثم إذا استوفوا سؤالك عن حالي ، وتقلّبي بين (١٢) حلّي وترحالي ، وبلغت القلوب منهم الحناجر ، وملأت الدموع المحاجر ، وابتلّت ذيولك بمائها ، لا بل تضرّجت بدمائها ، فحيّهم عنّي تحيّة منفصل ، وودّعهم (١٣) وداع مرتحل. ثم اعطف عليهم ركابك ، ومهّد لهم جنابك ، وقل لهم إذا سألني عن المنازل بعد سكانها ، والرّبوع بعد ظعن أظعانها ، بماذا أجيبه ، وبماذا يسكن وجيبه (١٤). فسيقولون لك هي البلاقع (١٥) المقفرات ، والمعارف (١٦) التي أصبحت نكرات : [السريع]
صمّ صداها وعفا (١٧) رسمها |
|
واستعجمت عن منطق السائل |
__________________
(١) في الأصل : «أمالت» والتصويب من النفح.
(٢) في النفح : «من سرار».
(٣) في النفح : «ولحاق».
(٤) البيت لابن زيدون وهو في ديوانه (ص ٩).
(٥) في النفح : «فاليوم».
(٦) الوعثاء : المشقّة والتعب. محيط المحيط (وعث).
(٧) في الأصل : «للغور» والتصويب من النفح.
(٨) الإرقال والوخد : ضربان من السير السريع. لسان العرب (رقل) و (وخد).
(٩) في الأصل : «وسيّمه» والتصويب من النفح.
(١٠) في النفح : «يحمل».
(١١) في النفح : «وتحياته».
(١٢) في الأصل : «بين حالي حلّي ...» ، والتصويب من النفح.
(١٣) كلمة «وودّعهم» غير واردة في النفح.
(١٤) الوجيب : الخفقان. لسان العرب (وجب).
(١٥) البلاقع : جمع بلقع وهو الأرض الخالية. لسان العرب (بلقع).
(١٦) كلمة «والمعارف» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من النفح.
(١٧) في الأصل : «وعفّى» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.