قل لهم : كيف الرّوض وآسه؟ وعمّاذا (١) تتأرّج أنفاسه؟ عهدي به والحمام يردّد أسجاعه ، والذّباب يغني به هزجا فيحكّ بذراعه ذراعه ، وغصونه تعتنق ، وأحشاء جداوله تصطفق ، وأسحاره تتنسّم وآصاله تغتبق (٢) ، كما كانت بقية نضرته ، وكما عهدتها أنيقة خضرته ، وكيف التفاته (٣) عن أزرق نهره ، وتأنّقه في تكليل إكليله بيانع زهره. وهل رقّ نسيم أصائله (٤) ، وصفت موارد جداوله؟ وكيف انفساح ساحاته ، والتفاف دوحاته؟ وهل تمتدّ كما كانت مع العشيّ فينانة سرحاته؟ عهدي بها ، المديدة الظّلال ، المزعفرة السّربال ، لم تحدّق الآن به عيون نرجسه ، ولا صدّ (٥) بساط سندسه. وأين منه مجالس لذّاتي ، ومعاهد غدواتي وروحاتي؟ إذ أباري في المجون لمن أباري ، وأسابق إلى اللّذات كلّ من يجاري (٦). فسيقولون لك : ذوت أفنانه ، وانقصفت أغصانه ، وتكدّرت غدرانه ، وتغيّر ريحه (٧) وريحانه ، وأقفرت معالمه ، وأخرست حمائمه ، واستحالت به (٨) حلل خمائله ، وتغيّرت وجوه بكره وأصائله ، فإن صلصل حنين رعد فعن قلبي لفراقه خفق ، وإن تلألأ برق فعن حرّ حشاي ائتلق ، وإن سحّت السّحب فمساعدة لجفني ، وإن طال بكاؤها فعنّي ، حيّاها الله تعالى (٩) منازل ، لم تزل بمنظوم الشّمل أواهل. وحين انتثرت (١٠) نثرت أزهارها أسفا ، ولم تثن الريح من أغصانها معطفا ، أعاد الله تعالى (١١) الشّمل فيها إلى محكم نظامه ، وجعل الدهر الذي فرّقه يتأنّق في أحكامه. وهو سبحانه يجبر الصّدع ، ويعجّل الجمع ، إنه بالإجابة جدير ، وعلى ما يشاء قدير. إيه بنيّ ، كيف حال من استودعتهم أمانتك ، وألزمتهم صونك وصيانتك ، وألبستهم نسبك ، ومهّدت لهم حسبك؟ الله في حفظهم فهو اللّائق بفعالك ، والمناسب لشرف خلالك ، ارع لهم الاغتراب لديك ، والانقطاع إليك ، فهم أمانة الله تعالى في يديك ، وهو سبحانه يحفظك بحفظهم ، ويوالي بلحظك أسباب لحظهم ، وإن ذهبتم إلى معرفة الأحوال ، فنعم الله ممتدّة الظّلال ، وخيراته ضافية (١٢) السّربال ؛ لو لا الشوق الملازم ، والوجد الذي سكن الحيازم.
__________________
(١) في النفح : «وعمّ».
(٢) في النفح : «تتوسّم».
(٣) في الأصل : «التفاتة» والتصويب من النفح.
(٤) في الأصل : «آصاله» والتصويب من النفح.
(٥) في النفح : «ويمدّ».
(٦) في النفح : «أجاري».
(٧) في النفح : «روحه».
(٨) كلمة «به» غير واردة في النفح.
(٩) كلمة «تعالى» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من النفح.
(١٠) في الأصل : «انتثر» ، والتصويب من النفح.
(١١) كلمة «تعالى» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من النفح.
(١٢) في النفح : «وارفة».