ولما علم اليهود بذلك امتنعوا من قبول تلك المنح وأرسلوا إلى أوروبا قائلين : دعونا على عادتنا المألوفة ولا تتداخلوا فينا وأعلنوا للحكومة والأهالي بذلك طالبين التألف بهم والأمان على أنفسهم فأمنوهم واستقروا على ما كانوا عليه ، ووجه سلوكهم ذلك المسلك أمران :
أحدهما : ظاهري ، وهو أن ديانتهم قاضية عليهم يتحمل الهوان والمشاق إلى خروج المسيح لكي ينقذهم على دعواهم.
وثانيهما : وهو الباطني أنهم يعلمون تسلط الأهالي عليهم وعدم معارضة الحكومة لهم إما عجزا أو تعاجزا فيقعون في الهلاك ، وعلى فرض أخذ الدول لثأرهم فما فائدتهم بعد انقراضهم ، وصرح بذلك بعض رؤوسائهم لأنهم أحرص الناس على حياة. وفي هاته السنة وهي سنة ١٢٩٧ ه أحرق الأهالي يهوديا فعادت
الكرة من الجمعيات المذكورة آنفا ووجدت دولة إسبانيا الفرصة للتداخل تعاميا عما فعلته هي مع اليهود مما هو من ذلك القبيل أو أشد ، وما بالعهد من قدم كانت تمنع دخولهم إلى مملكتها ولم يزل ذلك إلا عند إعطاء الحرية العامة في إسبانيا منذ عهد قريب ، ولكن مريد التداخل يفتش على ما يوافق قصده ، فلذلك دعت دولة إسبانيا جميع دول أوروبا لعقد مؤتمر للنظر في أحوال اليهود ورعايا الأجانب في مملكة المغرب لأن اليهود أكثروا بالرحيل إلى بعض الممالك الإفرنجية ويحصلون منها على الحماية ثم يعودون إلى المملكة المغربية ويسكنون بأماكنهم الأصلية وعند إجراء الأحكام والعادات عليهم يتجاسرون بإظهار الحماية الأجنبية فلم تعترف لهم الدولة المغربية بذلك وتقول : إما أن تكون أجنبيا فلا تدخل للمملكة وإما أن تكون أهليا فتجري عليك الأحكام هذا على تسليم الحماية ، ودولة إسبانيا تريد الإنتصار للمحتمين وأن يكون لهم السكنى في دواخل المملكة بدعوة تعميم التجارة ، وبعض الدول يوافقها لكي يتسع باب التداخل في المملكة حتى يتسلط عليها. والدولة المغربية مصرة على الامتناع والتمسك بالمعاهدات والعادات المألوفة فعقدوا لذلك مؤتمرا في مدريد في شهر جمادى الثانية سنة ١٢٩٧ ه وكانت كل من دولتي فرنسا وانكلترا مساعدة لدولة المغرب ، أما فرنسا فلمجاورتها لها في الجزائر وهي قد رأت من أهالي الجزائر متاعب شديدة فإنها استولت عليهم منذ خمسين سنة وهم لا زالوا يحدثون الثورة عليها مهما سنحت لهم الفرصة مع قلة الفائدة بالنسبة للخسارة ، فتريد توكيد المودة مع دولة المغرب لكي لا يحدث لها بمشاحنتها هيجان في الجزائر سيما وهي تعلم أن الاستيلاء على المغرب غير متيسر لمعارضة دول أوروباوية قوية في ذلك ، وأما إنكلترا فتريد استجلاب دولة المغرب وبقاؤها لكي لا يتسلط على خليج طارق دولة قوية يمكن أن تمنع الإنكليز من المرور به إلى البحر الأبيض ، كما تخشى أيضا من أنها إذا أظهرت لها التشدّد عليها ربما تميل إلى دولة أخرى ذات اقتدار وتحالفها ويصير الجميع ضدا للإنكليز في وقت الحاجة.
ومثل هاتين دولة ألمانيا ، فكثيرا ما تظهر المودة لدولة المغرب رجاء أن تمكنها