صاحب الأندلس سلطان المغرب للأندلس عند قدومه عليه سفيرا عن مخدومه ، ومطلعها :
أدرك بخيلك خيل الله أندلسا |
|
إن السبيل إلى منجاتها درسا |
ثم تناسل نسله إلى حسين الأخير منخرطين في سلك الوظائف العسكرية أو الملكية مع التحلي بالآداب العلمية ، فتزوج حسين هذا إبنة طاهرة من ذرية المولى الشريف سيدي حسن الشريف الهندي الشهير رضياللهعنه وبارك في آل بيته العامر السعيد إلى قيام الساعة ، فولدت له محمد بيرم الأول ومنه دخل النسل إلى سلك العلماء إلى الآن والمرجو من كرم الله أن يديم ذلك في أعقابنا ما قدر لهم بالوجود ، واستفحل العلم في هذا البيت ولله الحمد حتى سمعت من شيخنا العلامة شيخ الإسلام محمد ابن الخوجة يعرّف جدي محمد الثاني بقوله أبو يوسف الثاني ، ومؤلفات هذا الجد تشهد لشيخنا بصدقه وكذلك لبقية علماء بيتنا تآليف عديدة عظيمة مفيدة ، وتقلبوا في الوظائف العلمية إلى رياسة الفتوى وتلقب منهم أربعة بشيخ الإسلام.
ولما تأهل والدي قدس الله روحه للزواج ، زوجه أبوه بابنة وزير البحر محمود بن محمد خوجه ووالدتها من بيت الغماد ذي الشرف المعروف ، وقد ألف الجد محمد بيرم الثاني تأليفا خاصا في التعريف بنسبه الجثماني والروحاني بلغ فيه إلى نفسه والعبد مذيل عليه بذكر من لم يحوه ذلك التأليف من فروع هذا البيت وما ذكر في هذا الفصل أنموذج منه ، وكانت ولادتي في سنة ١٢٥٥ ه.
ثم اشتغلت بالقراءة والتعلم متفرغا إلى ذلك إلى أن وليت خطة التدريس سنة ١٢٧٨ ه وكذلك مشيخة المدرسة العنقية ، ولم يكن لي هم بشيء من أحوال الدنيا إلا مطالعات الحوادث السياسية الداخلية والخارجية إلى أن توفي والدي رحمهالله ونعمه سنة (١٢٨٠ ه) ، فاضطررت إلى إدارة مخلفاته ولم يكن لي إلا محض الوداد مع سائر السكان لبعدي عن مواقع التحاسد بينهم وتجنبي للخطط ، حتى أن خطة التدريس والمشيخة المذكورتين إنما قبلتهما بعد الإلحاح عند وفاة عمي شيخ الإسلام محمد بيرم الرابع ، وانحلال الخطتين المذكورتين بسبب موته حيث كانت مشيخة المدرسة إليه ، وانحلت وظيفة التدريس بسبب انتقال صاحبها لما فوقها وصاحب ما فوقها ترقى إلى مشيخة الإسلام وهو شيخنا العلامة محمد ابن الخوجه المشار إليه آنفا ، وبقيت على ذلك مرتاح البال سليم الوداد إلى أن ولي الوزارة الكبرى بتونس الناصح الأمين خير الدين باشا (١) ونحا منحى الحكومة الشوروية في إجراء العدل ، فرأى اجتهادا منه في انتقاء المتأهل للخطط أن يستعين بالعبد في بعض الخطط حسن ظن منه ، فلم يسعني إلا مساعفته لما كنت منه على علم من توغله في حب العدل والميل إلى القوانين والشورى ، حتى كان أول ناشر لمفاخرها في
__________________
(١) هو خير الدين باشا التونسي (١٢٢٥ ـ ١٣٠٨ ه) وزير مؤرخ. شركسي الأصل. توفي بالآستانة.
الأعلام ٢ / ٣٢٧ معجم سركيس (٨٥٤).