وتارة تكون بيد الباي تغلبا منه وأحيانا يحصل الباي على رتبة الباشا من الدولة العثمانية. واستقرّ الأمر على ذلك إلى أن كثرت الحروب الأهلية ما بين البايات والدايات على حوز الرياسة العامة ، وملت الأهالي من ذلك فنادوا بطيب نفس واختيار منهم بحسين بن علي تركي جد العائلة الموجودة الآن ، إذ كان إذ ذاك آغة وجق باجة وسلموا له أمر الولاية العامة بعد قتل كل من الباي والداي السابقين وأقرت ولايته الدولة العلية ولا زالت الولاية متوارثة في عائلته كبيرا عن كبير إلا ما ندر من ولاية حموده قبل محمود بعهد من أبيه وكذلك أخوه عثمان ، وأمضت الدولة العلية ذلك له في حياته ومنذ ذلك التاريخ استقرّت الرياسة العامة للباي ، وصار هو الذي يولي الداي إلى أن انقطع هذا اللقب وعوض برئيس الضابطية في سنة (١٢٧٧ ه) في ولاية الصادق باشا.
غير أن استقرار الولاية هكذا على نحو ما مر لم يكن بتعهد من الدولة العلية رسميا بالكتابة وإنما اقتضاه جريان العمل ، وذلك أن الدولة العلية كانت عادتها في الولايات إطلاق التصرف للوالي بحيث يكون له التفويض المطلق لاتساع أطراف الممالك مع صعوبة المواصلة إلا بعد مدة مديدة لا سيما في مثل الأماكن التي طريقها البحر من مقر الخلافة كتونس وطرابلس والجزائر ومصر وغيرها ، وتسمى عندهم بالأوجاق ومن كمال الإطلاق الذي اضطر إليه البعد اختيار الوالي لأنه إذا مات الوالي أو وقع ما يوجب عزله بتغلب غيره أو بثورة عامة يسلم أهل الحل والعقد في تلك الجهة لواحد منهم لإجراء ما لا بد منه ، وما يصل الخبر للدولة إلا بعد مدة ، وحيث لم يكن من قصدها إلا هناء الممالك الإسلامية وإجراء الشرع فيها والإدلاء بالخضوع للخلافة والإنقياد إليها وأداء الواجب لها من مال أو غيره ، لم يكن من فائدتها مخالفة ما يراه أهل الحل والعقد في الصقع الواقع به الواقعة ، لأن ذلك لا يحصل لها فائدة بل ربما توقع حصول غير فائدتها المار ذكرها «ورب البيت أعلم بما فيه» ولذلك تولي هي من ارتضوه لحفظ أمورهم وحفظ حقوقها ، والمتقرر في هذا القطر التونسي من الحقوق التي رسمتها الدولة العثمانية فيه عند فتحه هو إعانته بالسفن الحربية وما يلزمها في الحروب ، وهدايا ترسل من الوالي إلى دار الخلافة عند ولايته أو عند ولاية سلطان أو عندما توجد مناسبة للإهداء ، والأغلب في الهدايا سابقا أن تكون من نتائج البلاد كالخيل والحيوانات الغريبة من الصحراء والمنسوجات الحريرية والصوفية ، ومنها راية عظيمة متقنة تصنع عند ولاية السلطان فقط ويكتب فيها آيات قرآنية وأبيات من البردة وتزركش بالفضة ، ومنها أيضا السروج المحلات وسبح المرجان والعنبر والطيب والأسلحة المرصعة بالمرجان ، ومنها التمر والزيتون والسمن والشمع ، ثم توسع في هاته الهدية حتى صارت من المال والمجوهرات النفيسة وقد بلغت في بعض الأحيان إلى مليونين فرنكا وما يساويها من المجوهرات.
وكذلك رتب على القطر من الأشياء التي هي علامة على التبعية الخطبة بإسم السلطان